للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

درجة فاقت طاقة البشر، لكننا نعلم من ناحية أخرى أية هاوية سحيقة ألقت به، هذا إذا لم نأخذ بالإعتبار الإحتمال الآخر.

فلو انتصرت الايديولوجية الهتلرية في العالم ماذا كانت تصنع؟

فقد كنا نعلم من خلال التصريحات، أن هتلر يريد أن يفرض على العالم ألف عام من السلم الجرماني، أي ألف عام يرجع فيها الضمير العالمي إلى الوراء.

فالسياسة إذن تقتضي أكثر من ذلك، إذ لا يكفي أن تحدد عمل الدولة في اتجاه معين، وأن يكون ثمة جهاز رقابة ضروري لمتابعة عمليات التنفيذ، وجهاز حماية للمواطن من اعتداء عمل الدولة نفسه عليه. كما لا يكفي أن تمنح هذه السياسة التوتر الضروري للطاقات الإجتماعية لتبلغ الهدف المعين.

فبالإضافة إلى كل ما سبق، لا بد أن يكون الهدف نفسه متطابقا مع التطور الطبيعي للأمة، ومع الظروف العامة التي تحيط بهذا التطور. وأن يكون فوق ذلك متطابقا مع مصير الإنسانية كلها.

فإذا كانت السياسة تفقد فعاليتها إذا انفصلت عن ضمير الأمة، فإنها إذا انفصلت عن الضمير العالمي تضيف إلى العالم خطرا فوق الأخطار التي تهدده، فإذا نظرنا إلى القضية من الوجهة الأولى، أعني وجهة انسجام السياسة مع تطور الأمة ومع الظروف المحيطة بتطورها، فإن القضية تطرح علينا منذ الخطوة الأولى مشكلة الثقافة.

أما إذا وسعنا هذا الانسجام إلى ما يقتضيه وضع عالمي، فإن التوسيع هذا لا يزيدنا إلا تركيزا على النتيجة المستخلصة من نظرتنا الأولى.

فنابليون، لم يكن أثناء إقامته في موسكو، أي في أحلك أيامه، منكبا على خرائط تحركاته العسكرية فحسب، بل إنه انكب أيضا على إتمام القانون المدني الذي وضعه في بداية عهده وشغلته قضية أخرى كتنوير شوارع باريس.

<<  <   >  >>