فهل كنا نتصور اهماما كهذا لو فصلنا السياسة عن الثقافة؟
إن صناعة (١) السياسة تعني، إلى حد كبير، تغيير الإطار الثقافي في اتجاه ينمي تنمية متناغمة، عبقرية أمة؛ ومن هنا فصناعة السياسة تعني في آخر المطاف، صناعة الثقافة.
فإذا شيدنا حديقة في مدينة كالجزائر أو القاهرة، أي إذا غيرنا الإطار الثقافي في أي بلد من بلدان العالم الثالث نقوم بعمل سياسي لا مزيد عليه.
وفي الوقت ذاته، فهذه الملاحظات- وفي إمكان أي منا أن يلاحظها في الشارع يوميا- تبين لنا كيف تطرح المشكلة في بلد من العالم الثالث، حيث تكشف لنا تجربتنا التأثير المشترك لعوامل من أصناف ثلاثة:
الصنف الأول وهو يتصل بالثقافة التي نريد صنعها.
الصنف الثاني وهو يتصل بـ (لا ثقافة) موروثة نريد تصفيتها.
الصنف الثالث وهو يتصل بشيء نسميه (ما ضد الثقافة) وهو يفرض علينا أن نكون في انتباه مستمر تجاهه.
وعلاقة السياسة بالثقافة تمر حتما بهذا الثالوث، علاقة تتطلب منا إذا فكرنا في (الثقافة) في بلد من العالم الثالث، أن نفكر في اللحظة نفسها بالقوى غير الواعية التي تمثل (اللاثقافة)، والقوى الواعية التي تمثل (ما ضد الثقافة)، والقوتان كلتاهما تبدوان قوة مشتركة تعمل في المحيط الإجتماعي.
ومن ناحية أخرى، يجب توسيع المصطلحات ذاتها في مدلولها، إذ كل منا يعلم أن تشييد مدرسة عمل يهم نشر (الثقافة) كما يهم رفع (اللاثقافة).
إنما إذا نظرنا من زاوية السياسة إلى مشكلة الثقافة، فالأمر أكثر تعقيدا.