فحتى لو كانت المدرسة هي الوسيلة الرئيسية- والقضية فيها نظر- لصنع الثقافة، وبالتالي لإعطاء السياسة بعدها الوطني والعالمي، فهذه الوسيلة تبدو غيركافية.
وحسبنا لنقتنع بذلك، أن نتذكر أسماء الذين عمروا سوق الانتخابات في الجزائر منذ ثلاثين سنة، إنهم على العموم لم يكونوا أميين بل تخرجوا من المدرسة سواء أطلقنا عليهم المثقفين أو (المتثقفين).
ينبغي إذن أن نعيد النظر في المدرسة، وألا ننظر إليها من زاوية التجهيز، كما ينظر إليها عادة: فالمدرسة ليست المكان المجهز بمقاعد، وبما يكتب عليه، والسبورة نكتب عليها الحروف الأبجدية، أو المعادلات الرياضية فحسب، بل هي قبل ذلك المعبد الذي يستشعر فيه الضمير بالقيم التي تكون تراث الإنسانية.
فقد كانت قسمات (سقراط) مع مريديه، هيأت فيها أثينة بلاغها إلى الإنسانية. ومجالس غاندي وهو صامت الساعات الطويلة، وحوله الآلاف المؤلفة من البشر مدرسة هي الأخرى وجهت إلى ضمير القرن العشرين بلاغ (الساتياجراها).
وما كان هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه إلا مدرسة بلغت العالم رسالة حضارة جديدة.
فبقدر ما تستعيد المدرسة معناها الأصيل، تستطيع القيام بدورها الثقافي وبالتالي دورها السياسي، إذ السياسة حينئذ تكتسب بعدا وطنيا وعالميا بفضل ما تهب لها الثقافة من تفتح على القيم، التي اكتسبها الفكر الإنساني عبر الآلاف من السنين.
هنالك يتجانس عمل الدولة مع عمل الإنسانية بعد ما يكون قد تجانس مع عمل الفرد.