للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ إعْتَاقٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ أَفِيهَا أَجْرٌ " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ " وفى رواية في الصَّحِيحِ " أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ لَك مِنْ الْخَيْرِ " قَوْلُهُ أَتَحَنَّثُ أَيْ أَتَعَبَّدُ فَهَذَانِ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ لَا يَمْنَعُهُمَا عَقْلٌ وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِخِلَافِهِمَا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِمَا وَقَدْ نُقِلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ إثْبَاتِ ثَوَابِهِ إذَا أَسْلَمَ وَقَدْ أَوْضَحْتُ الْمَسْأَلَةَ بِدَلَائِلِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بها مبسوطا في أول شرحي صحيح الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَأَمَّا قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ لَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ عِبَادَةٌ وَلَوْ أَسْلَمَ لَمْ يعتد بها فمرادهم لَا يُعْتَدُّ بِهَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ فَإِنْ أَطْلَقَ مُطْلِقٌ أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فَهُوَ مُجَازِفٌ غَالِطٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي لَا مُعَارِضَ لَهَا وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ إذَا لَزِمَ الْكَافِرَ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَكَفَّرَ فِي حَالِ كُفْرِهِ أَجْزَأَهُ وَإِذَا أَسْلَمَ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

إذَا صَلَّى الْمُسْلِمُ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ وَوَقْتُ تِلْكَ الصَّلَاةِ بَاقٍ لَمْ يَجِبْ إعَادَتُهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يَجِبُ وَالْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلٍ سَبَقَ وَهُوَ أَنَّ عندنا لا تبطل الاعمال بالردة الا أن يتصل بالموت وَعِنْدَهُمْ يَبْطُلُ بِنَفْسِ الِارْتِدَادِ احْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حبطت أعمالهم) فَعَلَّقَ الْحُبُوطَ بِشَرْطَيْنِ الرِّدَّةِ وَالْمَوْتِ عَلَيْهَا وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطَيْنِ لَا يَثْبُتُ بِأَحَدِهِمَا وَالْآيَةُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا مُطْلَقَةٌ وَهَذِهِ مُقَيَّدَةٌ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَلْزَمُ الْمُرْتَدَّ إذَا أَسْلَمَ أَنْ يَقْضِيَ كُلَّ مَا فَاتَهُ فِي الرِّدَّةِ أَوْ قَبْلَهَا وَهُوَ مُخَاطَبٌ فِي حَالِ الرِّدَّةِ بِجَمِيعِ مَا يُخَاطَبُ بِهِ الْمُسْلِمُ وَإِذَا أَسْلَمَ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ مَا كَانَ فَعَلَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ مِنْ حَجٍّ وَصَلَاةٍ وَغَيْرِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ كَمَا لَوْ هَاجَرَ فَإِنْ تَرَكَهَا لَزِمَهُ

الْقَضَاءُ سَوَاءٌ عَلِمَ وُجُوبَهَا أَمْ جَهِلَهُ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ أَبُو حنيفة رحمه الله لا يلزمه وما لَمْ يَعْلَمْ وُجُوبَهَا دَلِيلُنَا عُمُومُ النُّصُوصِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله

*

<<  <  ج: ص:  >  >>