وَاحِدَةً وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ أَبْنِيَةِ الْبَلَدِ وَلَا يُشْتَرَطُ مُفَارِقَتُهُ لِحِلَّةٍ أُخْرَى بَلْ الْحِلَّتَانِ كَبَلْدَتَيْنِ مُتَقَارِبَتَيْنِ وَضَبَطَ الصَّيْدَلَانِيُّ التَّفَرُّقَ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ بِأَنْ يَكُونُوا بِحَيْثُ يَجْتَمِعُونَ لِلسَّمَرِ فِي نَادٍ وَاحِدٍ وَيَسْتَعِيرُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ فَإِنْ كَانُوا هَكَذَا فَهِيَ حِلَّةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ مَعَ مجاوزة الْخِيَامَ مُجَاوَزَةُ مَرَافِقِهَا كَمَطْرَحِ الرَّمَادِ وَمَلْعَبِ الصِّبْيَانِ وَالنَّادِي وَمَرَاحِ الْإِبِلِ لِأَنَّهَا مِنْ مَوْضِعِ إقَامَتِهِمْ وَلَنَا وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُفَارَقَةُ الْخِيَامِ بَلْ يَكْفِي مُفَارَقَةُ خَيْمَتِهِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ: ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إذَا فَارَقَ بُنْيَانَ الْبَلَدِ قَصَرَ وَلَا يَقْصُرُ قَبْلَ مُفَارَقَتِهَا وَإِنْ فَارَقَ مَنْزِلَهُ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ أَنَّهُ أَرَادَ سَفَرًا فَصَلَّى بهم ركعتين في منزله وفيهم الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ وَرُوِّينَا مَعْنَاهُ عَنْ عَطَاءٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى قَالَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ لَا يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ نَهَارًا حَتَّى يَدْخُلَ اللَّيْلُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَهُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ إنْ خَرَجَ بِالنَّهَارِ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يَدْخُلَ اللَّيْلُ وَإِنْ خَرَجَ بِاللَّيْلِ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يَدْخُلَ النَّهَارُ وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا جَاوَزَ حِيطَانَ دَارِهِ فَلَهُ الْقَصْرُ فَهَذَانِ الْمَذْهَبَانِ فَاسِدَانِ فَمَذْهَبُ مُجَاهِدٍ مُنَابِذٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي قَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَمَذْهَبُ عَطَاءٍ وَمُوَافِقِيهِ مُنَابِذٌ لِاسْمِ السَّفَرِ
إذَا فَارَقَ بُنْيَانَ الْبَلَدِ ثُمَّ رَجَعَ لِحَاجَةٍ فَلَهُ أَحْوَالٌ (أَحَدُهَا) أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ الْبَلَدُ وَطَنَهُ وَلَا أَقَامَ فِيهِ فَلَا يَصِيرُ مُقِيمًا بِالرُّجُوعِ وَلَا بِدُخُولِهِ بَلْ لَهُ التَّرَخُّصُ بِالْقَصْرِ وَغَيْرِهِ فِي رُجُوعِهِ وَفِي نَفْسِ الْبَلَدِ (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ وَطَنَهُ فَلَيْسَ لَهُ التَّرَخُّصُ فِي رُجُوعِهِ وَإِنَّمَا يَتَرَخَّصُ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ ثَانِيًا هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَتَرَخَّصُ فِي رُجُوعِهِ لَا فِي الْبَلَدِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ (الثَّالِثُ) أَنْ لَا يَكُونَ وَطَنُهُ لَكِنَّهُ أَقَامَ فِيهِ مُدَّةً فَهَلْ لَهُ التَّرَخُّصُ فِي رُجُوعِهِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) يَتَرَخَّصُ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ غَيْرُ نَاوِي الْإِقَامَةِ صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَالْمُتَوَلِّي
(وَالثَّانِي)
لَا يَتَرَخَّصُ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ لِأَنَّهُ عَائِدٌ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَحَيْثُ قُلْنَا لَا يَتَرَخَّصُ إذَا عَادَ فَنَوَى الْعَوْدَ وَلَمْ يَعُدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute