والتوسع في التخريج عند تحقيق المخطوطات يعد تكراراً، بل يخرج العمل عن المقصود الأصلي؛ وهو إخراج نسخة من الكتاب (المخطوط) كما كتبها مؤلفها.
وكأنَّ الشيخ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ أراد أنْ يرسم منهجاً علمياً للباحثين في عصرنا.
فإنَّهم أسرفوا في تحقيق كتب التراث، وذلك عند تخريج أحاديث الكتب المسندة، والكلام على رجالها، فإنَّك تجد الكتاب في (ورقاتٍ) ، ويخرج في (مجلدٍ) بل (مجلدين) .
وآخر يعثر على مخطوطٍ في (مجلد) ، ويخرجه في (عشرة) مجلدات ...
وهكذا في سلسلة لا تنتهي من العبث بالتراث (١) .
وهم بذلك يلزمون طالب العلم بشراء هذا الكتاب بما فيه من حشو.
ولو أنَّهم اتبعوا منهج الشيخ؛ لأخرجوا المخطوط، بعد ضبط نصه، وتوثيق نقوله.
أمَّا ما عندهم من علم وزيادة بيان فبإمكانهم وضعه في كتب خاصة لهم، ومن أرادها بحث عنها، أما كتب السلف فحسبهم الوقوف عند ضبط النص، وتوثيق النقل، وشيء من التخريج به يعرف حال الحديث صحة وضعفاً.
(١٠) كان الشيخ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ يَنْسخ، ويُحقِّق، ويُخرِّج، ويُعلِّق،
ويُؤلِّف، بنفسه.
نعم؛ كان الشيخ يفعل ذلك دون الاعتماد على غيره، بل ولا الركون إلى ”برامج الحاسب الآلي” التي تدلّه على موضع الحديث في ألف مجلد في (دقيقةٍ) أو أقل، دون تعب وعناء.
بخلاف ما يصنعه الكثير ممن لهم اعتناء بالعلم في العصر الذي فقدت فيه الأهلية العلمية للمحقِّقين والمؤلفين.
ورائحة هؤلاء قد فاحت، وإذا أردت أن تعد المحقِّقين والمؤلفين الذين لا يعتمدون على غيرهم فإنك تجدهم أقل من القليل بالنسة لعدد أصحاب ”المعامل”.
وليتهم يتركون هذا الصنيع، وينسبون لأنفسهم ما خطته أيمانهم فحسب؛ فإنَّ هذا العلم دين.
وإنك لتعجب لحال هؤلاء فإنَّ الواحد منهم يخرج المجلدات تتلوها المجلدات، في كتب حديثية صرفة، مليئة بالأسانيد، وفي سنوات متقاربة.
(١) ستجد في كتابي: ’’الورَّاقون’’ تفصيلاً لما أُجْمِل هنا.