للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولو من بعيد- إلى أنه ربما يكونا قد استلهماه من مشكاة النبوة، ومعلوم أنهما كانا من الملازمين له صلى الله عليه وسلم في أسفاره ١.

وأما ما ورد من قول ابن عمر رضي الله عنهما، أنه يقصر في سفر ساعة ونحو ذلك مما يتعارض مع التحديد السابق، فقد قال بعض أهل العلم: إن التحديد بأربعة برد وما في معناه هو أصح الروايتين عن ابن عمر ٢.

٣- كان هذا الرأي هو محل اختيار أغلبية رجال الحديث الذين أنفقوا حياتهم في الاشتغال بالسنة رواية ودراية، فإطباق هذه الكثرة على الأخذ بهذا التحديد يشير بوضوح إلا عدم وجود نص صريح ثابت من السنة في الموضوع.

٤- عدم تجويز كل من ابن عمر وابن عباس للقصر في مسافات أقل من هذا المقدار. يدل على مدى تمكنهما من تحديد هذا المقدار، فقد سبقت الإشارة إلى ما رواه سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه سئل أتقصر الصلاة إلى عرفة، فقال: لا. ولكن إلى عسفان وإلى جدة وإلى الطائف وما روي عن ابن عمر أنه كان يخرج إلى الغابة- وهى على بريد من المدينة- فلا يفطر ولا يقصر ٣.

كما نقل عن أبي جمرة قوله: قلت لابن عباس: أقصر إلا الأبله ٤. قال أتجيء من يومك؟ قلت: نعم. قال: لا تقصر ٥.

وما رواه مالك عن نافع أنه كان يسافر مع ابن عمر البريد فلا يقصر الصلاة٦، وأما ما جاء في قصة دحية فقد قال الخطابي عنها: ليس الحديث بالقوى، وقال صاحب العون: إن ابن عمر وابن عباس خالفا دحية وهما أفقه من دحية وأعلم بالسنن٧ وأما أبو بصرة الغفاري فلعله كان يقصد سفرا بعيدا كان كذلك، فله أن يفطر في بداية سفره.

٥- إن الأخذ بهذا التحديد، فيه أخذ بالأحوط، إذ لم يخرج عنه إلا من قال بتحديد مسيرة ثلاثة أيام. وقد عرفنا ما أخذ على التحديد بهذا المقدار، والله أعلم.


١ وقد جاء في ذلك حديث ضعيف، فقد خرج البيهقي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان". قال الترميذي بعد ذكره له. هذا حديث ضعيف. إسماعيل بن عياش لا يحتج به وعبد الوهاب بن مجاهد ضعيف جدًا. والصحيح أن ذلك من قول ابن عباس. السنن الكبرى جـ٣ ص١٣٨.١٣٧
٢ عون المعبود جـ٤ ص٦٩ طبعة المجد بالقاهرة.
٣ السنن الكبرى جـ٣ ص١٣٧. وسنن أبي داود جـ٧ ص٥٩ مع عون المعبود.
٤ الأبله (على وزن حبلى) : موضع بأرض بني سليم بين مكة والمدينة.
٥ السنن الكبرى جـ١ ص١٣٧.
٦ السنن الكبرى جـ٣ ص١٣٧.
٧ عين المعبود جـ٧ ص٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>