للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

وأهم الأدلة التي استند إليها هذا الفريق ما يلي:

١- قال تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (البقرة: آية ١٨٥) .

وجه الدلالة: من المعلوم أن هذه الآية محكمة بإجماع المسلمين لم يرد عليها نسخ ولا تخصيص وقد أَوجبت الصيام على من شهد الشهر صحيحا مقيما، وعلى من شهد الشهر وكان مريضا أو مسافرا، عدة من أيام أخر. ووجوب قضاء أيام السفر بعد رمضان يستلزم وجوب الفطر في رمضان أثناء السفر، وحتى لو عاند وخالف وصام، فإنه لا يعتد بذلك الصيام، بل يجب عليه قضاء هذه الأيام التي صامها ١.

ويناقش هذا الاستدلال بأن الآية قد تضمنت دلالة اقتضاء، وهو تقدير بعض الألفاظ التي لا يتضح المعنى بدونها. والمقدر هنا: عبارة (فَأفطر) فيكون المعنى الإجمالي: ومن كان مريضا أو على سفر- فأفطر- فعدة من أيام أخر- وقد أوضحت السنة هذا المعنى بجلاء تام في أكثر من حديث، فقد جاء في حديث حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه قال يا رسول الله: أجد بي قوة على الصيام في السفر، فهل علي جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه" ٢ ورفع الجناح يقتضي صحة الصوم وإجزاءه ورفع الإثم عن الصائم.

قد يقال: إن نفي الجناح قد يكون المراد منه نفي الحرمة عن الصائم في السفر لكنه لا يقتضي الاعتداد بما صامه شرعا، أو يكون المراد: لا جناح عليه لو صام في سفره تطوعا أو قضاء لصوم سابق كان عليه.

ويجاب عن ذلك بأن نفي الجناح يقتضي الإباحة والشيء المباح إذا فعل بنية العبادة، فإنه يثاب عليه، حتى الأكل والشرب إذا فعلهما الشخص بنية التقوي على العبادة، فإنه يثاب عليهما.

أما تأويل الحديث على أنه لا جناح عليه في صيام هذه الأيام تطوعا أو قضاء، فهو بعيد، لأن التعبير عن الفطر بكونه رخصة يقتضي جواز العمل بها، أو تركها والعمل بالعزيمة هذا هو المعروف من معنى الرخصة، وإن كان العمل بها أفضل، لأن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه.

٣- الدليل الثاني من أدلة هذا الفريق على وجوب الفطر في السفر وعدم الاعتداد


١ أشار إلى هذه الدلالة من الآية صاحب المحلى ج٦ص٣٨١.
٢ صحيح مسلم ج٣ ص١٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>