واضح من استعراضنا لآراء الفقهاء ومستنداتهم في هذه المسألة أن الرأي الثاني أقوى الآراء إذ يستدل بحديث أنس "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر ثلاثة أيام أو ثلاثة فراسخ- شك شعبة- صلى ركعتين"؛ إذ هو نص صريح صحيح في الموضوع. وإنما التحديد بالثلاثة فراسخ أولى، لأنه القدر المتيقن.
لكن وجود الاحتمال الذي أشرنا إليه سابقاً من أن ذلك كان ابتداء القصر، وأن هذا الاحتمال ليس ببعيد -بعد أن ذكرت بعضا من الأحاديث الصحيحة التي تفيد أنه صلى الله عليه وسلم كان يبتدئ القصر من ذي الحليفة، وبينها وبين المدينة، من فرسخين إلى ثلاثة، كما يحمل فعل عمر رضي الله عنه على ذلك- يضعف هذا الاستدلال. لذا أرى أن الأخذ برأي الفريق الذي حدد المسافة بأربعة برد هو الأولى لما يأتي:
١- امتياز هذا التحديد بالوضوح، فقد حددت فيه المسافة بمقياس مساحي وهو أربعة برد. وأن هذا القياس ارتكز على علامات مادية يمكن الرجوع إليها للتأكد من مقداره وضبطه؛ وهو من مكة إلى عسفان، ومن مكة إلى الطائف ومن مكة إلى جدة، ومن المدينة إلى ذات النصب ومن المدينة إلى ريم.
٢- اتفاق ابن عمر المعروف بتشدده، وابن عباس بتيسيره على هذا القدر يومي-