للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

بالصيام فيه: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم١ فصام الناس ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: أولئك العصاة أولئك العصاة" ٢.

وجه الدلالة: وصف الصائمين في السفر بالعصاة، يقتضي أنهم آثمون، ويقتضي كونهم آثمين أن صومهم غير مجزئ وبالتالي: يجب عليهم القضاء.

ويناقش هذا الاستدلال، بأن وصف الصائمين بالعصيان لا يلزم منه أن يكون الوصف منصبا على الصوم، بل قد يكون منصبا على مخالفتهم أمره صلى الله عليه وسلم بالفطر، وقد أمر الله تعالى بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر الآية ٧) . وقال تعالى أيضا: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النور الآية ٦٣) .

قد يقال: إن تركهم طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أمره لهم بالفطر، يقتضي أَنهم عاصون بالصيام أيضا إلى جانب عصيانهم بمخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفطر.

فيجاب عن ذلك بأن تشديد الرسول عليه الصلاة والسلام في أمر الفطر ووصف التاركين بالعصيان إنما كان لسبب خاص وهو ملاقاة الأعداء، ومعلوم أن القتال يحتاج إلى قوة. وأن الفطر مما يساعد على إيجاد هذه القوة، ومن هنا يدخل الفطر في وسائل القوة التي أمر الله بإعدادها، بقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (الأنفال الآية ٦٠) .

ويقوي هذا المعنى ما جاء في حديث أبى سعيد الخدري رضي الله عنه "سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام، قال: فنزلنا منزلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم، فكانت رخصة، فمنا من صام ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلا آخر، فقال: إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا، وكانت عزمة فأفطرنا، ثم قال: لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر" ٣.


١ كراع الغميم: على ثلاثة أميال من عسفان، القاموس المحيط ج٣ ص٧٨.
٢ صحيح مسلم ج٣ ص١٤٢.
٣ صحيح مسلم ج٣ ص١٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>