للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمره صلى الله عليه وسلم بالفطر عند قربهم من لقاء عدوهم إنما كان يقصد بذلك تقويتهم في مواجهة عدوهم والأخذ بأسباب هذه التقوية واجب فيكون تركها معصية.

ويتضح من حديث أبي سعيد أيضا، أنهم في حالة بعدهم من عدوهم، أن الفطر ليس بلازم، فمن شاء صام ومن شاء أفطر. وقد فهم الصحابة ذلك، ففي حديث أبي سعيد هذا "فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر".

ومن باب أولى إذا كان السفر لغير الجهاد، فيكون الفطر فيه لمشيئة المسلم إن شاء صام وإن شاء أفطر. وقد ثبت ذلك من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أيضا، فقد جاء فيه: " لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر".

قد يقال: إن هذه الصيغة- نصوم مع رسوله الله صلى الله عليه وسلم- يفهم منها أنهم كانوا يصومون وهم في صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن يشاركهم الرسول صلى الله عليه وسلم في الصيام, وفعل الصحابة في حياته صلى الله عليه وسلم ليس حجة.

فيجاب عن ذلك، بأنه يكفي في حجية هذا الفعل، اطلاع رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه دون أن ينكره, فيكون سنة تقريرية وهي حجة قد يقال: يحتمل أنه لم يطلع عليهم حتى يكون ذلك سنة تقريرية.

فيجاب عن ذلك: بأنه وإن كان فيه بعد، لكن يكفي في الحجية حدوث هذا الفعل زمن نزول الوحي، لأنه لو كان فيه مخالفة لنزل الوحي ببيانها.

٣- الدليل الثالث: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى رجلا قد اجتمع الناس عليه وقد ظلل عليه، فقال: ماله, قالوا: رجل صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس البر أن تصوموا في السفر" ١.

وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى البر- بكسر الباء- يعني الطاعة والعبادة عن الصيام في السفر، أَي ليس من الطاعة والعبادة، أن تصوموا في السفر، وإذا انتفى كان الصيام في السفر من البر، فإن من خالف وصام، فإنه يكون آثما وبالتالي لا يجزئ عنه هذا الصيام.

وقد أجيب عن ذلك، بأن هذا الحديث، قصد بلفظه شخص معين- وهو المذكور في


١ البخاري ج١١ ص٤٨ مع شرحه عمدة القارئ، صحيح مسلم ج٣ ص١٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>