للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث- وما يكون مماثلا له. والمعنى: ليس من البر أن يبلغ الإنسان بنفسه هذا المبلغ بعد أن رخص الله عز وجل له في الفطر١.

ولكن تناقش هذه الإجابة، بما قيل في علم الأصول، بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

وترد هذه المناقشة بأن الحديث واقعة عين، ووقائع الأعيان لا يستدل بها على عموم الأحكام, والدليل على عدم قصد العموم في هذا الحديث، ما ثبت من صوم الرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان في حديث أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حر شديد حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة" ٢.

وقد حمل بعض العلماء هذا الحديث على القاعدة الشرعية، في رفع مالا يطاق عن هذه الأمة، فيكون مؤداه: أن المريض المقيم، والمسافر المرهق، ومن أجهده الصوم، عليهم أن يفطروا، فإن لم يأخذوا بالرخصة واستمروا على صومهم، حتى خشي عليهم التلف، فإنهم يكونون عصاة بصومهم واستحق من يفعل مثل هذا الفعل، أن يوصف صومه، بأنه ليس من البر، والله أعلم٣.

وقد أجاب ابن حزم على ذلك، بأن هذه الحال- المشار إليها في القاعدة السابقة-محرم البلوغ إليها باختيار المرء للصوم في الحضر والسفر، وقد خصص النبي صلى الله عليه وسلم المنع من الصيام في السفر مطلقا بهذا الحديث، فيجب أخذ كلامه عليه الصلاة والسلام على عمومه ٤.

ويجاب عن ادعاء العموم من الحديث، بأن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه بعد ذلك، قد بين أن هذا العموم غير مراد، فقد ثبت عنهم الصوم والفطر بعد هذه الواقعة وقد وضحت ذلك في تعليقي على حديث أبي سعيد الخدري الذي جاء فيه: " لقد


١ عمدة الأحكام ج١١ ص٤٩.
٢ صحيح مسلم ج٣ ص ١٤٥.
٣ انظر الإشارة إلى هذه القاعدة في عمدة القارئ ج١١ ص٤٩ كما أشار إليها ابن القيم في تعليقه على عون المعبود ج٦ ص٤٩.
٤ المحلى ج٦ ص٣٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>