للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجه الاستدلال من الحديث واضح، فرسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدأ يومه صائماً ثم أفطر في أثناء نهار ذلك اليوم وقد جاء في بعض الأحاديث المتقدمة أن ذلك كان بعد العصر.

وقال الحنفية: لا يجوز له الفطر ابتداء ولكن لو أفطر، فلا كفارة عليه لأن السبب المبيح- من حديث الصورة- وهو السفر قائم فأورث شبهة، وبها تندفع الكفارة.

وقد أجابوا عن فطره صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي كان صائماً فيه والذي أشرنا إليه في حديث ابن عباس السابق، بأن الجائز أن يكون صلى الله عليه وسلم علم من نفسه بلغ الجهد الشديد من الصيام في هذا اليوم، إلى الحد الذي إذا وصل إليه الصائم المقيم أبيح له الفطر١.

وهذا تأويل بعيد لأن بعض الروايات تفيد أنه صلى الله عليه وسلم طلب من أصحابه الفطر على أن يستمر هو صائماً وقال: " إني أيسركم إني راكب، فلما أبوا نزل وشرب ما كان يريد أن يشرب". وقد تقدم هذا الحديث بكامله، وهو واضح في رده على تأويل علماء الحنفية لمدلول حديث ابن عباس.

أما المالكية: فقد حكى الزرقاني، وجوب الكفارة على من نوى الصيام في يوم سفره، ثم أفطر بعد ذلك في نفس اليوم.

وحكى ابن يونس في المسألة قولان، أحدهما بوجوب الكفارة، والآخر بوجوب القضاء فقط.

ووجه من أوجب الكفارة، أن المسافر كان مخيراً في الصوم والفطر، فلما اختار الصوم وترك الرخصة، صار من أهل الصيام، وعلى ذلك فيجب عليه ما يجب على أهل الصيام من الكفارة٢.

وقد استدل الحنفية والمالكية، بقوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (سورة محمد الآية رقم ٣٣) فالمسلم الذي اختار أن يعمل عملاً من أعمال العبادة وابتدأه بالفعل، فيجب عليه أن يتمه.

لكنه قد نقل عن ابن عبد البر قوله: من احتج في هذا بقوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} فهو جاهل بأقوال أهل العلم، فإن الأكثر على أن المراد بذلك: النهي عن الرياء، كأنه قال: لا تبطلوا أعمالكم بالرياء بل أخلصوها لله


١ فتح القدير للكمال جـ٢ ص ٣٦٥، ص ٣٦٦.
٢ شرح عبد الباقي الزرقاني جـ ٢ ص ٢١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>