للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

والحكمة من قول وجوب الإطعام؟ أن مثل هذا الشخص يعتبر مفرطا في القضاء في الأيام التي يجب عليه القضاء فيها والتي تنتهي بنهاية شهر شعبان التالي له أو هي ما بين الرمضانين , لذلك استحق أن يجازي بإطعام كل يوم مسكينا مع القضاء بالصيام ...

ويرى الحسن البصري وإبراهيم النخعي وأبو حنيفة والمزني وداود: أن عليه القضاء بالصيام فقط ولا فدية عليه ١.. وقد نقل عن داود قوله في هذا الصدد: من أوجب الفدية على كل من أخر ليس معه حجة من كتاب ولا سنة ولا إجماع ٢.

وهو كما قال: إلا أنه يقال أيضاً: أن من نفى وجوب الفدية عليه ليس له مستند من كتاب أو سنة أو إجماع؟.

أما العموم المستفاد من قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فهو يفيد جواز القضاء في أي أيام أخر قبل رمضان التالي أو بعده ليس إلا. أما الطعام فهو أمر زائد على القضاء فلا تثنيه الآية ولا تنفيه..

وإذا تساوى القولان من هذه الناحية؟ فإنه ينظر إلى الآثار المروية عن الصحابة رضي الله عنهم, إذ هم قريبو العهد بالتنزيل وأدرى بمواقع النصوص. فقد روى البيهقي بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما في رجل أدركه رمضان وعليه رمضان آخر؟ قال يصوم هذا ويطعم عن ذاك كل يوم مسكينا ويقضيه..

كما روى أيضا بسنده إلى أبي هريرة: أنه قال: في رجل تتابع عليه رمضانان ففرط فيما بينهما , يصوم الذي حضر ويقضي الآخر ويطعم لكل يوم مسكينا ٣...

والواقع أن الموقف الذي اتخذه جمهور الفقهاء هنا بالتفرقة بين شخصين: أحدهما شغل عن القضاء بالسفر أو المرض حتى أدركه رمضان الآخر فجعلوه معذورا يكتفي منه بالقضاء فقط. والآخر الذي كانت لديه فسحة من الوقت ولم ينتهزها وفرط في القضاء ولم يهتم بالإسراع لأداء الواجب الذي شغلت به ذمته حتى وافاه رمضان الآخر , فأوجبه عليه الإطعام مع القضاء لرمضان الأول. هذا الموقف يتفق مع النصوص الشرعية ولا يتعارض معها , وهو وإن لم يكن فيه نص صريح في الموضوع لكن نصوص الشريعة متوافرة في التفرقة بين المحسن


١ صحيح البخاري ج ١١ ص ٥٤ مع عمدة القارىء. المجموع ج ٦ ص ٣٣٦. فتح القدير ج ٢ ص ٣٥٤. السنن الكبرى ج ٤ ص ٢٥٣.
٢ الجوهر النقي مع السنن الكبرى ج ٤ ص ٢٥٢.
٣ السنن الكبرى ج ٤ ص ٢٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>