للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر} (النساء: ٩٥) .

فقد قرئ برفع (غير) إما على أنه صفة للقاعدون؛ لأنهم جنس، وإما على أنه استثناء وأبدل على حد قوله تعالى: {ما فعلوه إلا قليل منهم} (النساء: ٦٦) ، ويؤيده قراءة النصب أيضا.. وانتصاب (غير) في الاستثناء عن تمام الكلام عند المغاربة كانتصاب الاسم بعد (إلا) عندهم، واختاره ابن عصفور١.

ب- وأما (إلا) فهي تأتي في الأساليب على أربعة أوجه:

أحدها - وهو الأصل في استعمالها - أن تكون للاستثناء نحو قوله تعالى: {فشربوا منه إلا قليلا منهم} (البقرة: ٢٤٩) ، ونحو قوله تعالى: {ما فعلوه إلا قيل منهم} (النساء: ٦٦) ، فقد انتصب ما بعد إلا في الآية الأولى؛ لأن الاستثناء تام موجب، وارتفع ما بعد (إلا) في الآية الثانية؛ لأن الاستثناء تام منفي.

الثاني: أن تكون (إلا) عاطفة بمنزلة الواو، ذهب إلى هذا الأخفش والفراء وأبو عبيدة، وجعلوا من ذلك الآية الكريمة: {لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم} (البقرة: ١٥٠) ، التقدير على رأيهم: ولا الذين ظلموا منهم، وليس قولهم هذا بمسلم.

الثالث: أن تكون (إلا) زائدة، قال بذلك الأصمعي وابن جني وابن مالك، وجعلوا من ذلك قول ذي الرُّمة:

حراجيج ما تنفك إلا مناخة ... على الخسف أو نرمي بها بلدا قفرا٢

فإلا زائدة في البيت على رأيهم.

الرابع: أن تكون ٠إلا) بمعنى (غير) - وهذا هو محل الشاهد - أي يوصف بها كما يوصف بغير، فقد وصف بإلا جمع منكر كما في قوله تعالى: {لو كان فيهما إلا الله لفسدتا} (النساء: ٢٢) .

فلا يجوز في (إلا) هذه أن تكون للاستثناء من جهة المعنى؛ إذ التقدير يكون حينئذ: لو كان فيهما آلة ليس فيهم الله لم تفسدا، وليس ذلك المراد، ولا من جهة اللفظ؛ لأن آلة جمع منكر في الإثبات فلا عموم له، فلا يصح الاستثناء منه، فلو قلت: قام رجال إلا زيدا، لم يصح اتفاقا، ومقال وقوع إلا وصفا قول ذي الرمة:


١ راجع مغني اللبيب: ٣٠٩، ٣١٠.
٢ الديوان ١٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>