للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ما قدم الناس من خير سبقت به ... ولا يفوتك مما خلفوا شرف

وفي السنة نفسها أغار على سمرقند، وخاض على مشارفها وحدودها معركة طاحنة ضد الصغد، وأهل الشاش وفرغانة، فانكسروا أمامه أسوأ انكسار، فنزل مدينتهم، ولم يفارقها إلا بعد أن حطم الأوثان، وشيد مسجدا، وترك بها رابطة عربية. فقال كعب الأشقري يمجد بطولته وسطوته على أعدائه، ويعجب من كثرة غزواته التي لم يخذل في غزوة منها، ويعجب أيضا من وفرة ما يفوز به من النهاب فيها، ويصف ما ألحقه بالصغد من هزائم متتالية، فإذا هم مشردون عن ديارهم، وإذا هم بين والد جريح الفؤاد يتفجع لموت ولده، وابن كسير النفس، يصرخ لغياب أبيه١:

كل يوم يحوي قتيبة نهبا ... ويزيد الأموال مالا جديدا

باهلي قد ألبس التاح حتى ... شاب منه مفارق كن سودا

دوخ الصغد بالكتائب حتى ... ترك الصغد بالعراء قعودا

فوليد يبكي لفقد أبيه ... وأب موجع يبكي الوليدا

كلما حل بلدة أو أتاها ... تركت خيله بها أخدودا

وقد تزين لنا مقطوعتا كعب الظن بأنه تحول عن انحيازه لقبيلته تحولا شديدا، وأنه نزل عن تعاطفه السابق مع الأزد نزولا واضحا. ذلك أنه لم يقف فيها عند التفخيم لقتيبة فحسب، بل تعداه إلى التعريض بالمهالبة تعريضا قبيحا أزرى فيه بشرفهم وكرامتهم.

وربما كان في ظننا شيء من الصحة، وربما عاد موقف كعب المفاجئ إلى فترات الهدوء القصيرة التي كانت تخف فيها جدة المنافسة بين القبائل العربية. وهي


١ الطبري ٨: ١٢٥٢، وابن الأثير ٤: ٥٧٥، وهما يقولان إن المقطوعة تنسب أيضا لرجل من جعفى، وقد سماه البلاذري: المختار بن كعب الجعفي. "انظر فتوح البلدان ص: ٤١١".

<<  <   >  >>