للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

خابت سرية مسعود وما غنمت ... إلا أفانين من شد وتقريب١

حلوا بأرض قفار لا أنيس بها ... وهن بالسفح أمثال اليعاسيب٢

وفي العام ذاته ارتد أهل كردر من خوارزم عن الإسلام، فحاربهم رجال المسلحة العربية هناك، وبعث إليهم أشرس كتيبة من ألف رجل عونا لهم، فصاروا إليهم، وتمكنوا جميعا من ملاحقة الترك، وإخضاع أهل كردر. فقال عرفجة الدارمي التميمي هذين البيتين يبين دور بني تميم في مناجزة الترك، وفي رد أهل كردر إلى الإسلام، ويعجب من استيلاء سواهم من جنود القبائل الأخرى على غنائمهم وأسلابهم٣:

نحن كفينا أهل مرو وغيرهم ... ونحن نفينا الترك عن أهل كردر

فإن تجعلوا ما قد غنما لغيرنا ... فقد يظلم المرء الكريم فيصبر

وفي سنة اثنتي عشرة ومائة كانت وقعة الشعب على مشارف سمرقند بين خاقان والجنيد بن عبد الرحمن المري٤. فانخذل الجيش العربي في بدايتها انخذالا مروعا، وفقد من جنوده أعدادا كبيرة لم يفقدها من قبل، واستشهد سورة بن الحر التميمي، عامل سمرقند، وهو في طريقه لإنقاذ الجنيد، وتخفيف وطأة الترك عليه. ومع أن الجنيد انتصر في نهايتها على خاقان، واقتحم سمرقند، وأخلى ذراري العرب منها، وحملهم إلى مرو الشاهجان، وأبقي المقاتلين فيها وحدهم، فإن نشوة النصر لم تنس العرب مرارة الهزيمة، لكثرة من هلكوا منهم، إذ يذكر الشعراء أن القتلى بلغوا خمسين ألفا، ولما لحق بهم، رجالا ونساء وأطفالا من العذاب. ومن أجل ذلك هتف الشعراء بالجنيد لائمين وناقدين وحاقدين لأنه لم يحتط للأمر، ولم يقدر قوة


١ الشد: العدو السريع. والتقريب: أن يرفع الفرس يديه ويضعهما معا إذا عدا عدوا دون الإسراع.
٢ اليعاسيب: جمع يعسوب، وهو طائر دون الجرادة أو أعظم منها، طويل الذنب لا يضم جناحيه إذا وقع تشبه به الخيل في الضمر.
٣ الطبري ٣: ١٥١٣، وابن الأثير ٥: ١٥٤.
٤ انظر ترجمته في تهذيب ابن عساكر ٣: ٤١٥، وابن الأثير ٥: ١٨٢. والبداية والنهاية ٩: ٣١٢.

<<  <   >  >>