للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

القسري والي العراق، بين فيه قوة خصمهم، ونكايته بهم، وما أصاب النساء من الفزع والهلع، وما وقع على بعضهن من الأسر والسبي، حتى أخذن يستغثن ولا من مغيث، وبين فيه كذلك تخاذل الجنود وتقاعسهم، ووصم قائدهم بالخسة والدناءة وهو تقرير حزين مؤثر، تكاد النفس تذوب منه حسرة وألما، وهو يتوالى على هذه الشاكلة١:

تذكرت هندا في بلاد غريبة ... فيا لك شوقا هل لشملك مجمع

تذكرتها والشاس بيني وبينها ... وشعب عصام والمنايا تطلع

بلاد بها خاقان جم زحوفه ... وجيلان في سبعين ألفا مقنع

إذا دب خاقان وسارت جنوده ... أتتنا المنايا عند ذلك شرع

هناك هند ما لنا النصف منهم ... وما إن لنا يا هند لفي القوم مطمع٢

ألا رب خود خدلة قد رأيتها ... بسوق بها جهم من الصغد أصمع٣

أحامي عليها حين ولى خليلها ... تنادي إليها المسلمين فتسمع

تنادي بأعلى صوتها صف قومها ... ألا رجل منكم يغار فيرجع

ألا رجل منكم كريم يردني ... يرى الموت في بعض المواطن ينفع

فما جاوبوها غير أن نصيفها ... بكف الفتى بين البرازيق أشنع٤

إلى الله أشكو نبوة في قلوبها ... ورعبا ملا أجوافها يتوسع

فمن مبلغ عني الوكا صحيفة ... إلى خالد من قبل أن نتوزع٥


١ الطبري ٩: ١٥٥٤.
٢ النصف: الانتصاف.
٣ الخود: الفتاة الحسنة الخلق الشابة. والخدلة: غليظة الساق مستديرتها. والجهم: الغليط الكريه. والأصمع: صغير الأذنين.
٤ النصيف: كنصف الخمار، وهو ما تغطي به المرأة رأسها، والبرازيق: الفرسان.
٥ الألوك: الرسالة.

<<  <   >  >>