للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بأن بقايانا وأن أميرنا ... إذا ما عددناه الذليل الموقع١

هم أطمعوا خاقان فينا وجنده ... ألا ليتنا كنا هشيما يزعزع

وأما خالد بن المعارك العبدي المعروف بابن عرس، فرفع تقريرا ثالثا مفصلا إلى خالد، ضمنه أساه ولوعته لما حل بالجيش العربي من الدمار، فإذا أفراده مقتلون مصرعون، وإذا نساؤهم يبكين ويستصرخن. وعاب فيه على الجنيد جهله وتعجله. وفجاجة رأيه، وسوء تدبيره، وهجاه هجاء مقذعا، وشهر بأخطائه تشهيرا، ودعا عليه بالموت، لأنه ورطهم في معركة لا قبل لهم بها يقول٢:

أين حماة الحرب من معشر ... كانوا جمال المنسر الحارد٣

بادوا بآجال توافوا لها ... والعائر المهمل كالبائد٤

فالعين تجري دمعها مسبلا ... ما لدموع العين من ذائد

انظر ترى للميت من رجعة ... أم هل ترى في الدهر من خالد

كنا قديما يتقى بأسنا ... وندرأ الصادر بالوارد

حتى منينا بالذي شامنا ... من بعد عز ناضر آبد٥

كعاقر الناقة لا ينثني ... مبتدئا ذي حنق جاهد

فتقت ما لا يلتئم صدعه ... بالجحفل المحتشد الزائد٦

تبكي لها إن كشفت ساقها ... جدعا وعقرا لك من قائد٧

تركتنا اجزاء معبوطة ... يقسمها الجازر للناهد٨


١ الموقع: المذلل الذي أصابته البلايا.
٢ الطبري ٩: ١٥٦٦.
٣ المنسر: القطعة من الجيش تمر أمام الجيش الكبير. والحارد: الجاد الغاضب المانع.
٤ العائر: الأعور.
٥ في الأصل: "ناصر". وهو تحريف ظاهر. والناضر: الحسن فيه غنى ونعمة، وفيه بهاء ورونق وشامنا: أخزانا وجلب علينا العار. والآبد: الدائم المقيم.
٦ الجحفل: الجيش الكثير. والمحتشد: المجتمع.
٧ جدعا وعقرا: يقال في الدعاء على الإنسان جدعا وعقرا، نصبوهما بفعل مضمر لا يظهر.
٨ معبوطة: مذبوحة. والجازر: الذابح. والناهد: الصامد للعدو والشارع في قتاله.

<<  <   >  >>