للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وكبر همته، وقلة مبالاته بالموت، واكتراثه للحياة في الحرب، حين يجبن المترددون، ويعتمدون على غيرهم، مما هيأ له الظفر بأعدائه من الصغد ظفرا مستمرا باهرا، والسبق إلى أبعد غايات المجد والسؤدد، وإدراك ما لم يدركه غيره من العلا والرفعة، فإذا بطولاته وفتوحاته حديث الناس في كل مجلس. يقول١:

يرى الموت من عادى قتيبة مجهرا ... وليس بوقاف ولا بمواكل٢

ولكنه سمح بنفس كريمة ... بذول لها يوم التفاف القنابل٣

حوى الصغد حتى شاع في الناس ذكره ... ونال التي أعيت على المتطاول٤

والأغلب أن الفرات يشهر بيزيد بن المهلب في قوله: "ونال التي أعيت على المتطاول"، لضآلة غزواته وانتصاراته بالقياس إلى قتيبة بن مسلم، ولكثرة ادعائه وغروره من ناحية، وكيدا له، ونكاية به، لأنه فضل الأزد عن حلفائها من بكر من ناحية أخرى.

وظل الفرات يفي لقتيبة، ويجهر بتقديره له، حتى بعد اغتياله، وقيام يزيد بن المهلب بالولاية، مع ما كان يعرضه له إخلاصه لقتيبة من احتمال بطش ابن المهلب به. فقد سئل عنه وعن يزيد، فرفض ذمه، وتقديم يزيد عليه، لأنه كان يؤمن بعظمته، وبوجوب الثبات على المبدأ مهما تكن العواقب، فاعترف لذلك بفضل الرجلين دون خشية من لوم، أو رهبة من عذاب، وإن كان قد تخلص من المأزق تخلصا بارعا بتسويته بينهما، وجعله كلا منهما نظيرا لصاحبه، فهما عنده جوادان مشهوران يلوذ بهما كل محتاج، وفارسان مغواران يرمي كل منهما بنفسه في معترك


١ معجم الشعراء ص: ١٩٠.
٢ المواكل: كل عاجز كثير الاعتماد على غيره.
٢ القنابل: جمع قنبلة، وهي الطائفة من الخيل.
٤ أعيت: استعصت.

<<  <   >  >>