للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

تختفي عند الشدة، وتقل عند الفزع، وأنها تتنكر للصديق، وتقعد عن منازلة العدو، غامز أرجالها بأنهم ليسوا من أولي الأصول العريقة المعروفة، ولا من ذوي العزائم الكبيرة، ولذلك فإنه لم يعد يرى جدوى في محالفة الأزد لهم. يقول١:

عصافير تنزو في الفساد وفي الوغى ... إذا راعها روع جماميح بروق٢

أأحلم عن ذبان بكر بن وائل ... ويعلق من نفسي الأذى كل معلق

ألم أك قد قلدتكم طوق خزية ... وأنكلت عنكم فيكم كل ملصق٣

لعمرك ما استخلفت بكرا ليشغبوا ... علي وما في حلفكم من معلق٤

ضممتكم ضما إلي وأنتم ... شتات كفقع القاعة المتفرق٥

فأنتم على الأدنى أسود خفية ... وأنتم على الأعداء خزان سملق٦

فالبكريون في نظره عيال على الأزد، لا يغنون في الأزمات، ومع ذلك فإنهم ينافرونهم وينازعونهم. وهو يردد هذا المعنى في بيتين آخرين، إذ يأخذ على البكريين قلة وفائهم بالعهود، وتقصيرهم فيما يوجبه الحلف المعقود بينهم وبين الأزد من التزامات. بل إنه يصرح بأنهم إنما يفزعون إلى الأزد في المآزق. فإذا ما فرجوها عنهم، واستأنفوا حياتهم مطمئنين، عادوا إلى سيرتهم الأولى مع الأزد، وابتعدوا منهم. يقول٧:

بكر أخونا إذا نابته نائبة ... وليس منا إذا ما خوفه أمنا

إني لأرمي بنبلي من ورائهم ... ولا أرى الأمر شجانا لهم شجنا


١ الأغاني ١٤: ٢٨٠.
٢ تنزو: تثب. والجماميح: جمع جماح، وهو ما نبت على رؤوس القصب مجتمعا، فإذا دق تطاير، وبروق: نبت ضعيف.
٣ أنكل: دفع، أي دفعت عنكم كل ملصق فيكم.
٤ من معلق: أي من شيء يتعلق به ويعتمد عليه.
٥ الفقع: الكمأة البيضاء الرخوة. والقاعة: الأرض المطمئنة السهلة الرخوة.
٦ خفية: أجمة في سواد الكوفة تنسب إليها الأسود. والسملق: الأرض المستوية الجرداء. وخزان: جمع خزن، وهي ذكر الأرنب، وهي معروفة بالجبن.
٧ حماسة البحتري ص: ٨٠.

<<  <   >  >>