للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فارتاح أكثر العرب من قيس وتميم لتعيينه أميرا لهم، واعتدوه نعمة، أسبغها الله عليهم، إذ حباهم بقائد قوي تقي، مبارك ميمون، وذلك قول رجل منهم١:

لقد سمع الرحمن تكبير أمة ... غداة أتاها من سليم إمامها

إمام هدى قوى لهم أمرهم به ... وكانت عجافا ما تمخ عظامها٢

وللأشعار التي قيلت في موقعة البروقان، وفي سياسة أسد بن عبد الله القسري الداخلية قيمة تاريخية عظيمة، لأنها تعرض العلاقات القبلية والمحالفات السياسية بين القبائل العربية بخراسان عرضا غاية في البساطة والدقة، ولأنها تؤكد جملة الحقائق التي استخلصناها من الأخبار التاريخية، حين تحدثنا في الفصل الأول عن طبيعة تلك العلاقات والمحالفات، فهي من ناحية ترجح أن التحالف بين قبائل كل مجموعة كان يدور في دائرة المصالح المشتركة، بل كان يقوم في جوهره على أساسها، وأن قبائل كل مجموعة من المجموعتين المتسابقتين كانت تتضافر وتتعاون على قبائل المجموعة الثانية، ما دامت مصالحها ملتقية متفقة. وهذا واضح أشد الوضوح في موقف تميم ونصر بن سيار من الأزد وبكر في معركة البروقان. وفي انتقام أسد للأزد وبكر من تميم وأعوانها فيما بعد. وهي من ناحية ثانية تقطع بأن التعاضد أو التساند بين قبائل الحلف الواحد لم يكن قويا ولا متصلا، وإنما كان يضعف، وكانت تمر به فترات من التخلخل والفتور، لأن القبيلة المحالفة لقبيلة أخرى إنما كانت تدعمها وتشد أزرها ما دامت ترعى لها حقوقها ومنافعها، وتنحاز إليها، فإذا ما تعصبت إحداهما لنفسها، وجارت على الأخرى، أخذت القبيلة المضطهدة المغبونة تتململ وتنتقد القبيلة الباغية المستبدة، لعلها تثوب إلى الرشد والسداد، وتفيء إلى الحق والصواب. وهذا ظاهر على أكمل وجه في تعصب أسد للأزد وإهماله لبكر.

ومع أن القدماء وصفوا أشرس بن عبد الله السلمي بالخير والفضل والكمال٣.


١ الطبري ٩: ١٥٠٢.
٢ العجاف: جمع عجف وهو المهزول: وأمخ العظم: صار فيه مخ. وهو دليل القوة.
٣ الطبري ٩: ١٥٠٢.

<<  <   >  >>