للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فإن يجيى بن الحضين، سيد بكر، لم يسعده اختياره واليا لخراسان، لأنه كان من قيس، فملأت عليه المخاوف والشكوك نفسه، بحيث لم تؤثر في عقله الواعي فحسب، بل أثرت أيضا في عقله الباطن، فإذا هو يهجس بكرهه له في الأحلام، وإذا هو ينشر في قبيلته أنه رأى في المنام قبل قدوم أشرس قائلا يقول له: "أتاكم الوعر الصدر، الضعيف الناهضة، المشئوم الطائر"١ وإذا هو يتكهن بفشل أشرس تكهنا، ويتنبأ بأنه سيورط الجيش العربي في التهلكة، إذ يقول٢:

لقد ضاع جيش كان جغر أميرهم ... فهل من تلاف قبل دوس القبائل٣

فإن صرفت عنهم به فلعله ... وإلا يكونوا من أحاديث قائل

وخرج الحارث بن سريج التميمي٤ بالنخد في إمارة عاصم بن عبد الله الهلالي، وسيطر على أكثر مدن خراسان الشرقية والجنوبية، وكاد يستولي على مرو الشاهجان، لولا ثبات عاصم في مجابهته، وصدق بكر بقيادة يحيى بن الحضين في مواجهته٥. ولكنهم لم ينتصروا عليه انتصارا حاسما، فأقام بقرية زرق على مقربة من المدينة، ثم عاد إلى محاربة عاصم. وكان الحارث يرى رأي المرجئة، فحمل عليه نصر بن سيار حملة شديدة، ليصد الناس عن الانضمام إليه، ويصرف أشياعه عنه، وهي حملة أذاعها في قصيدته النونية الطويلة التي تجري على هذا النمط٦:

دع عنك دنيا وأهلا أنت تاركهم ... ما خبر دنيا وأهل لا يدومونا

إلا بقية أيام إلى أجل ... فاطلب من الله أهلا لا يموتونا


١ الطبري ٩: ١٥٠٥.
٢ الطبري ٩: ١٥٠٥.
٣ جغر: لقب أشرس بخراسان.
٤ انظر ترجمته وأخبار ثورته في الطبري "طبعة دار المعارف" ٧: ١١٧- ١٢٥، ٣٢٩- ٣٤٢، والعيون والحدائق ٣: ١٨٨، والملل والنحل ١: ٤٠، وابن الأثير ٥: ١٢٨، والبداية والنهاية ١٠: ٢٦، ولسان الميزان ٢: ١٤٢، والسيادة العربية ص: ١٢٣، وتاريخ الدولة العربية ص: ٤٤٢، ٤٥٩، والفرق الإسلامية في الشعر الأموي ص: ٢٧٣.
٥ الطبري ٩: ١٥٧١.
٦ الطبري ٩: ١٥٧٥.

<<  <   >  >>