سبق القول بأن اختيار الموضوع ليس أمرا سهلا، بل على العكس مما يتصوره الكثير؛ فهذه المرحلة من أشق المراحل وأخطرها على الباحث؛ فهي تحتاج منه إدمان القراءة، والاستغراق في الاطلاع، ويتردد إلى الموضوع الذي يبحث عنه، ويبحث عن مدى حبه له وميوله الشديد لاستيعابه، وشغفه بجوانبه المختلفة، بل يشعر كلما قرأ أن ميوله إليه تزداد، وعاطفته فيه تتضاعف وخواطره في الموضوع تغني وتتسع، ويحس أيضا في نفسه أنه يملك عقلا يرد به كل معترض، ويدفع به كل رأي مضاد، وسوف يكون هو في بحثه الفارس المجلى الذي يقف دون بحثه مدافعا بحق، ومناقشا بصدق ودقة، ومدللا ومبرهنا على كل ما يدور في الأذهان والعقول.
وهذا التجاوب الفكري والنفسي مع الموضوع المختار الذي تحدث عنه يدفع الباحث بالضرورة إلى:
أولا: أن الاستغراق في القراءة عن الموضوع تكشف للباحث مدى حبه له، وتجاوب عاطفته حتى يشعر بأن موضوعه أصبح بينه وبينه صلة وثيقة، ونسب قديم يتجاوب معه ويدافع عنه ويتصدى دونه.
ثانيا: أن الاستغراق في الاطلاع وتعميق الموضوع تكشف له مدى استعداده الفكري له، فالباحث المتعجل قد يختار موضوعا