لا يتفق مع استعداده الفكري؛ فيختار مثلا موضوعا في الأدب المقارن وهو في نفس الوقت لا يجيد إلا اللغة العربية فقط، ويعد الباحث فاشلا في اختياره هذا الموضوع؛ لأن مثل هذه الموضوعات تحتاج من الباحث إلى إتقان عدة لغات مع العربية؛ فلا بد له من تعميق فكره بالآداب الأخرى بلغتها التي يجيدها بنفسه، حتى يتعرف على جوانبه المختلفة فيستطيع أن يحدد مواطن التأثر والتأثير، وينبغي ألا يخدع الباحث نفسه في الاكتفاء بتراجم الآداب الأخرى؛ لأن الترجمة تكون في الغالب تجربة شخصية قد تخضع للهوى والزيف أو الإسراف والطيش، ودقة البحوث العلمية تعتمد على الترجمة الذاتية التي ترجع إلى الباحث ذاته لا إلى النقل عن الآخرين الذين ترجموا عن الأدب الأجنبي.
وقد يتعجل الباحث فيختار موضوعا في بعض القيم الفنية في النقد وخاصة الموضوعات التي لا تزال لغزا قد حام حولها النقاد، ولم يصلوا إلى جوهرها الحقيقي مثل موضوع الصورة الأدبية، فالباحث سيعيش في متاهات وتشويش فلسفي، يخرج منه بغير فائدة ما لم يكن مقتنعا فكريا ونفسيا بهذا الموضوع، ويشعر من خلال قراءاته وتجاربه في البحث عنه أن لديه القدرة على أن يقف ثابتا ومحققا أمام هذه التيارات الغامضة في الموضوع، وإذا لم يستطع أن يتبين ذلك في نفسه؛ فعليه أن يختار قيما نقدية أخرى تكون واضحة ومحددة، أو يختار بحثه في تاريخ الأدب أو دراسة غرض من أغراض الشعر وما شاكل ذلك، مما يكون له صدى قوي في نفسه وفكره.