ابن خزيمة -رحمه الله تعالى- وهو يقرر إثبات الوجه لله -جل وعلا-، ويرد على المعطلة بذريعة أو شبهة التنزيه لله -جل وعلا-؛ لأنهم إذا اثبتوا الوجه على حد زعمهم، فالله -جل وعلا- يشبه المخلوق من هذه الحيثية، ويرد عليهم بمثل هذا، يقول: المخلوق له وجه، وسائر المخلوقات لها وجه، الإنسان له وجه، والكلب له وجه، والحمار له وجه، فهل تتشابه هذه الوجوه؟ وهذا بين المخلوقات المتشابهة في الخلق والعجز والضعف، فكيف بالتباين الذي بين الخالق والمخلوق؟! فما وصلوا إلى رتبة التعطيل إلى أن مروا بقنطرة التشبيه، ويؤولون اليد أحياناً بالقدرة، وأحياناً بالنعمة، وإذا أمكنهم تأويل ما جاء من ذلك مفرد، فكيف يمكنهم تأويل المثنى {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [(٧٥) سورة ص] المثنى لا يمكن تأويله، هل يستطيعون أن يقولوا: بنعمتي؟ ونعم الله لا تعد ولا تحصى، هل يمكن أن يقولوا: بقدرتي، والله على كل شيء قدير؟ قادر على كل شيء؟ وقدرته واحدة، وله من الصفات القدرة، ومن الأسماء القدير.
يقول الناظم:
"وكلتا يديه بالفواضل" في حديث أبي ذر القدسي: ((يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، وسألوني وأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيئاً)) فإذا أعطى هؤلاء الخلق كلهم من أولهم إلى آخرهم جنهم وإنسهم أعطى كل واحد ما تبلغه أمانيه، ما نقص ذلك من ملكه شيئاً، ومر بنا حديث آخر من يدخل الجنة، آخر من يخرج من النار ويدخل الجنة أنه يقال له: تمن، فتعجز به الأماني، وده يتمنى لكن ما يحيط بأعظم شيء يتمناه، فيذكر، فيقال له: تمن ملك أعظم ملك في الدنيا، تمن ملك سليمان وإلا ملك ذي القرنين الذي بلغ المشرق والمغرب فيرضى بذلك، فيقال له: لك وعشرة أمثاله، فنعم الله لا تنفذ ولا تعد ولا تحصى، ويداه مبسوطتان.
"وكلتا يديه بالفواضل" جمع فاضلة، وهي الأمور المحبوبة والمطلوبة للناس "تنفحُ" والنفح الإعطاء، وفي النسخة الأخرى:"تنضحُ" والنضح كذلك.
وقل: ينزل الجبار في كل ليلة ... بلا كيف جل الواحد المتمدحُ