للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما المتخلفون سواهم فما كانوا "إلا رجلاً مغموصاً عليه النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء" (١) .

وتنزل السورة الفاضحة، البحوث، المبعثرة، المقشقشة، المخزية، الحافرة، المنكلة، المنقرة، المدمدمة (٢) ، وتتناول - عدا المقاطع الأولى منها - موضوع الغزوة، ويستغرق الحديث عن المنافقين من جميع جوانبه أكثرها، ويؤخر موضوع توبة الله على الثلاثة إلى آخرها في آخر توبة الله على الجماعة المؤمنة كلها.

وليس من غرضنا الآن - ولن نستطيع - تقصي دروس الموقف وعبره، ولكننا نكتفي بعبرتين، إحداهما على سبيل الإجمال والأخرى واقعة جزئية.

أما الأولى: فهي أن المنافقين لم يكن يخفى عليهم قط أن الإيمان جهاد وأعباء، وواجبات وفرائض على النفس والمال، وعلى القلوب والجوارح، ولهذا لم يدر في خلدهم أن يستخدموا منطق الأمة الإسلامية في عصورها الأخيرة فيقولوا للرسول صلى الله عليه وسلم حين استنفرهم للغزو: لن نجاهد معك ولن يضر هذا في إيماننا، فنحن مصدقون لك بقلوبنا ومقرون برسالتك بألسنتنا، فدعنا نأخذ بأذناب البقر ونغرس الأشجار ونهتم بشؤون أهلينا وأولادنا..

لم يكونوا ليفكروا في هذا، لأن حقيقة الإيمان الحية أمامهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه لم تكن تسمح لهم بذلك، فقول كهذا في مجتمع مؤمن كهذا يعد لغواً وهذياناً.

لو قالوا هذا أو قريباً منه لكشفته السورة وأزالت شبهته، لكنه لم يكن يصل في تفكيرهم إلى درجة الشبهة، ولهذا لجأوا إلى أعذار وتعللات عليها مسحة من الشرعية مثل:

١- الاعتذار بأنهم ليسوا محل تكليف، إذ مناط التكليف الاستطاعة وهم غير مستطيعين «لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ» (٣) .

٢- الاعتذار بشدة الحر الذي جعله الشارع سبباً في الترخيص والتخفيف، كما في الإبراد بصلاة الظهر، «وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ» (٤) .


(١) كما قال كعب رضي الله عنه في الحديث المشار إليه.
(٢) هذه أسماء السورة: براءة أو التوبة، وهي كلها مشتقة مما فعلته السورة بالمنافقين من الفضح والبحث والخزي.. إلخ. أنظر: مسلم رقم (٢٠٣١) ، وفتح القدير، الشوكاني (٢/٢٣١- ٣٣٢) .
(٣) [التوبة:٤٢]
(٤) [التوبة: ٨١]

<<  <   >  >>