للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبيان ذلك أن كل إنسان - بل كل كائن حي - إنما يصرف عمله وإرادته " حرثه وهمه " من أجل الحصول على ما يراه نافعا لذيذا، والابتعاد عما يراه ضارا مؤلما، وليس في تصرفات العقلاء ما يصح أن يخرج عن هذا، بل ليس في الكائنات ما يقصد إلى خلاف ذلك (١) .

فالنبات - مع دنو درجته في سلم الأحياء - يضرب بجذوره في الأرض متجها إلى الجهة التي فيها الماء، ويضرب بفروعه صاعدا إلى الزاوية التي يكون فيها الضوء.

والحيوان السارح في الغابة يختار من الغذاء - بهداية الله عز وجل له - ما ينفعه ويلائمه ويتجنب ما يضره وينافره. نعم قد يخطئ فيقتات ما يضر، ولكنه بأكله مضرة نفسه، وإنما آثره للذة وجدها فيه مع جهله بعاقبته.

والإنسان الذي اختصه الله تعالى بالتكريم والتفضيل على سائر الأحياء في الأرض تظهر فيه هذه النزعة بما يتناسب مع خصائصه الفذة؛ فهو يبني الحضارات المتعاقبة ويتطور في ألوان الاستمتاع ومظاهر الانتفاع، كل ذلك والدافع لا يفتر والمحرك لا يتوقف والتشوق إلى المزيد لا يضعف. وهو حتى حين يرتكب أكثر الأفعال إيلاما لنفسه - وهو أن يقتلها عامداً - إنما يبتغي بذلك راحتها وخلاصها بزعمه.


(١) من العجيب أن مع وضوح هذه الحقيقة وإحساس كل إنسان بها في نفسه، فإن ما يسمى "علم النفس" المعاصر لا يكاذ يتحدث عنها بل إنه ليتحدث عنها حديث المنكر لها.
وقد كانت هذه الحقيقة معروفة في الفكر الإغريقي، ثم تبنتها في القرن العشرين المدرسة النفسية المسماة "الغرضية" (Horm School) وقد كان لها رواج خصوصا على يد "مكدوجل ١٨٧١- ١٩٣٨" الذي قال: إن وراء كل سلوك إنساني نزعة أو غريزة فطرية دافعة، ولكن هذه المدرسة انطمرت واندثرت في غمرة رواج المدارس التجريبية التي تفسر السلوك الإنساني تفسيرا حيوانيا بل آليا، ومن أكثرها مناقضة لهذه النظرية المدرسة السلوكية "بافلوف" التي عكست؛ فجعلت الأفعال الخارجية هي مصدر هي مصدر المشاعر الداخلية، وعلى منوالها تسير المدارس التجريبية المعاصرة.
وهذا مما يلقي ظلال الشك والريب في هذا العلم والأيدي الهدامة من ورائه
انظر: علم النفس المعاصر، حسن المليجي ط٢، ١٩٧٢،بيروت. السلوك الإنساني، إبراهيم الغمري، ١٩٧٩، مصر، ص٤٧. الإنسان بين المادية والإسلام، محمد قطب، دار الشروق، فصل "التجريبيون".

<<  <   >  >>