للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا» [الأحزاب: ٧٢] .

«وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا» [الأحزاب: ٢٨] .

«خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ» [الأنبياء: ٣٧] .

«وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ» (١) [طه: ١١٥] .

والله تعالى هو وحده الذي يريد الشئ فيكون. «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» [يس: ٨٢] .

أما الإنسان فالمسألة بين إرادته الشئ وتحققه له قد تكون من الطول بحيث تستنفذ كل العمر وتستهلك كل الكدح وتبلغ به الغاية من الكبد، بل قد لا يتحقق له مراده أصلاً مهما كدح وكابد.

وهذه المسافة هي معترك الخواطر والإرادات والانفعالات كما هي معترك العمل والنصب والجهد.

فالبواعث لا تفتر والمطامع لا تقف عند حد، ومع ذلك فالعوارض الباغتة والحوائل المانعة كالسهام المشرعة، حتى إن حصول المراد ليس إلا بداية لمخاوف كثيرة من احتمال فواته أو فوات العمر قبل الاستمتاع به، فالكبد والهم لاستدامته لا يقل عنهما للحصول عليه.

وهكذا يكون القلب البشري كجناح الطائر لا يكاد يقف حتى يرف، ويظل - العمر كله - ميدانا لمتعارضات تتعاوده ومتضادات تنتابه من خوف ورجاء، وحب وكره، واستكبار وانكسار، وغفلة وتذكر، وشك ويقين، وفرح وترح.

وهذه هي أعمال القلوب التي لا ينفك منها قلب بشري قط.


(١) جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد أن النبي عليه الصلاة والسلام علم زيد بن ثابت أن يدعو بدعاء طويل منه"وأشهد أنك إن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضيعة وعورة وذنب وخطيئة" المسند (٥/١٩١)
ويقول ابن القيم شرحا لقول بعضهم: من عرف نفسه عرف ربه: "من عرف نفسه بالجهل والظلم والعيب والنقائص والحاجة والفاقة والذل والمسكنة والعدم، عرف ربه ببعض ما هو أهله، وانصرفت قوة حبه وخشيته ورجائه وإنابته وتوكله إليه وحده، وكان أحب شيء إليه وأخوف شيء عنده وأرجاه له، وهذا هو حقيقة العبودية" الفوائد، ص ١٢٣

<<  <   >  >>