للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَإِذَا اعْتَبَرْتَ هَذِهِ الْأَوْصَافَ. لَمْ تَجِدْهَا بِكَمَالِهَا إِلَّا فِي الْأَنْهَارِ الْأَرْبَعَةِ:

النِّيلِ، وَالْفُرَاتِ، وَسَيْحُونَ، وَجَيْحُونَ.

وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» : مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَيْحَانُ، وَجَيْحَانُ، وَالنِّيلُ، وَالْفُرَاتُ، كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ» «١» .

وَتُعْتَبَرُ خِفَّةُ الْمَاءِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا: سُرْعَةُ قَبُولِهِ لِلْحَرِّ وَالْبَرْدِ. قَالَ أبقراط: الْمَاءُ الَّذِي يَسْخُنُ سَرِيعًا، وَيَبْرُدُ سَرِيعًا أَخَفُّ الْمِيَاهِ. الثَّانِي: بِالْمِيزَانِ، الثَّالِثُ: أَنْ تُبَلَّ قُطْنَتَانِ مُتَسَاوِيَتَا الْوَزْنِ بِمَاءَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، ثُمَّ يُجَفَّفَا بَالِغًا، ثُمَّ تُوزَنَا، فَأَيَّتُهُمَا كَانَتْ أَخَفَّ، فَمَاؤُهَا كَذَلِكَ.

وَالْمَاءُ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ بَارِدًا رَطْبًا، فَإِنَّ قُوَّتَهُ تَنْتَقِلُ وَتَتَغَيَّرُ لِأَسْبَابٍ عَارِضَةٍ تُوجِبُ انْتِقَالَهَا، فَإِنَّ الْمَاءَ الْمَكْشُوفَ لِلشِّمَالِ الْمَسْتُورَ عَنِ الْجِهَاتِ الْأُخَرِ يَكُونُ بَارِدًا، وَفِيهِ يُبْسٌ مُكْتَسَبٌ مِنْ رِيحِ الشَّمَالِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى سَائِرِ الْجِهَاتِ الْأُخَرِ.

وَالْمَاءُ الَّذِي يَنْبُعُ مِنَ الْمَعَادِنِ يَكُونُ عَلَى طَبِيعَةِ ذَلِكَ الْمَعْدِنِ، وَيُؤَثِّرُ فِي الْبَدَنِ تَأْثِيرَهُ، وَالْمَاءُ الْعَذْبُ نَافِعٌ لِلْمَرْضَى وَالْأَصِحَّاءِ، وَالْبَارِدُ مِنْهُ أَنْفَعُ وَأَلَذُّ، وَلَا يَنْبَغِي شُرْبُهُ عَلَى الرِّيقِ، وَلَا عَقِيبَ الْجِمَاعِ، وَلَا الِانْتِبَاهِ مِنَ النَّوْمِ، وَلَا عَقِيبَ الْحَمَّامِ، وَلَا عَقِيبَ أَكْلِ الْفَاكِهَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَأَمَّا عَلَى الطَّعَامِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ إِذَا اضْطُرَّ إِلَيْهِ، بَلْ يَتَعَيَّنُ وَلَا يُكْثِرُ مِنْهُ، بَلْ يَتَمَصَّصُهُ مَصًّا، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّهُ الْبَتَّةَ، بَلْ يُقَوِّي الْمَعِدَةَ، وَيُنْهِضُ الشَّهْوَةَ، وَيُزِيلُ الْعَطَشَ.

وَالْمَاءُ الْفَاتِرُ يَنْفُخُ وَيَفْعَلُ ضِدَّ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَبَائِتُهُ أَجْوَدُ مِنْ طَرِيِّهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ.

وَالْبَارِدُ يَنْفَعُ مِنْ دَاخِلٍ أَكْثَرَ مِنْ نَفْعِهِ مِنْ خَارِجٍ، وَالْحَارُّ بِالْعَكْسِ، وَيَنْفَعُ الْبَارِدُ مِنْ عُفُونَةِ الدَّمِ، وَصُعُودِ الْأَبْخِرَةِ إِلَى الرَّأْسِ، وَيَدْفَعُ الْعُفُونَاتِ، وَيُوَافِقُ الْأَمْزِجَةَ وَالْأَسْنَانَ وَالْأَزْمَانَ وَالْأَمَاكِنَ الْحَارَّةَ، وَيَضُرُّ عَلَى كُلِّ حَالَةٍ تَحْتَاجُ إِلَى نُضْجٍ وتحليل،


(١) أخرجه مسلم في الجنة وصفة نعيمها، وليس في البخاري.

<<  <   >  >>