إن الثابت الراجح نزول هذا الإذن بالقتال بالمدينة بعد الهجرة وليس بمكة.
ولعل السبب المباشر وراء البعوث والغزوات، والسرايا إنما هو إثبات قوة المسلمين، وصلابة شوكتهم، وقوة عارضتهم، وأنهم لم يصبحوا ضعفاء. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الرمل:«رحم الله امرآ أراهم اليوم من نفسه قوة» . لذلك فقد كان أهم مقصود الغزوات والسرايا إثبات عزة المسلمين، وقوتهم ورفعة شأنهم.
لقد بدأ المسلمون نشاطهم العسكري ليدفعوا آثار الضعف والوهن والإستخذاء، وحتى يكف المشركون أيضا عن إنزال الأذى بالمسلمين الذين في مكة.
[سرية حمزة إلى سيف البحر]
كان أول لواء في شهر رمضان للسنة الأولى من الهجرة الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وبالتحديد على رأس سبعة أشهر في مارس ٦٢٣ م سنة ثلاث عشرة وستمائة بعد ميلاد المسيح. أمّر رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه السرية حمزة بن عبد المطلب «١» ، ومعه حليفه أبو مرتد كناز الفنوي الذي حمل اللواء الأبيض.
كان قوام هذا اللواء ثلاثا وثلاثين ولكن الصحيح أنهم ثلاثون رجلا من المهاجرين، وقد انطلقوا ليعترضوا عيرا قادمة من الشام لقريش، وكان فيهم أبو جهل بن هشام.
كانت قوة العير ثلاثمائة رجل، أي عشرة أضعاف قوة المسلمين وما أن بلغوا
(١) - أنظر ترجمة حمزة بن عبد المطلب في صفة الصفوة لأبه الجوزى (١/ ١٤٤) والرمض الأنف للسهيلي (١/ ١٨٥) وتاريخ الخميس (١/ ١٦٤) وكتاب صحابة النبي صلى الله عليه وسلم للسيد الجميلي ص ٦٩ وما بعدها.