استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، أيخرج إليهم، أم يمكث في المدينة؟ وكان رأيه ألا يخرجوا من المدينة، وأن يتحصنوا بها، فإن دخلوها، قاتلهم المسلمون على أفواه الأزقة، والنساء من فوق البيوت، وقد وافقه على هذا الرأي عبد الله بن أبي، وكان هو الرأي السديد، فبادر جماعة من فضلاء الصحابة ممن فاته الخروج يوم بدر، وأشاروا عليه بالخروج، وألحوا عليه في ذلك، وأشار عبد الله بن أبي بالمقام في المدينة، وتابعه على ذلك بعض الصحابة فألح أولئك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهض ودخل بيته، ولبس لأمته، وخرج عليهم، وقد انثنى عزم أولئك، وقالوا: أكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج، فقالوا: يا رسول الله، إن أحببت أن تمكث في المدينة فافعل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه» .
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف من أصحابه، واستعمل ابن أم مكتوم على الصلاة بمن بقى في المدينة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رؤيا وهو بالمدينة، رأى أن في سيفه ثلمة، ورأى بقرا تذبح، وأنه أدخل يده في درع حصينة، فتأوّل الثلمة في سيفه برجل يصاب من أهل بيته، وتأوّل البقر بنفر من أصحابه يقتلون، وتأول الدرع بالمدينة «١» .
فخرج عليه الصلاة والسلام يوم الجمعة، حتى إذا صار بالشوط بين المدينة وأحد، تقاعس وتدابر وانخذل عبد الله بن أبي بنحو ثلث العسكر، وقال: تخالفني وتسمع غيري، فتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام، والد جابر بن عبد الله، يوبخهم ويحضهم على الرجوع ويقول: تعالوا قاتلوا في سبيل الله، أو ادفعوا، قالوا: لو تعلم أنكم تقاتلون، لم نرجع، فرجع عنهم، وسبهم، وسأله قوم من الأنصار أن يستعينوا بحلفائهم من اليهود، فأبى، وسلك حرة بني حارثة وقال:«من رجل يخرج بنا على القوم من كثب» ؟ فخرج به بعض الأنصار حتى سلك في حائط لبعض المنافقين، وكان أعمى، فقام يحثو التراب في وجوه المسلمين، ويقول: لا أحل لك أن تدخل في