للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منها، فتسوروا الدار، ولم يدعوا بابا من أبوابها إلا استوثقوا منه من خارج، ثم أبوا العلية التي هو فيها، فاستأذنوا عليه، فقالت امرأته من أنتم؟ فقالوا: أناس من العرب، فقالت: ذاكم صاحبكم، فادخلوا، فلما دخلوا، واغلقوا الباب على أنفسهم، أيقنت بالشر وصاحت، فهموا بقتلها، ثم تذكروا نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء؛ فأمسكوا عنها ثم تعاوروه بأسيافهم وهو راقد على فراشه، أبيض في سواد الليل كأنه قبطية «١» .

ووضع عبد الله بن عتيك سيفه في بطنه حتى أنفده، وعدو الله يقول: قطني قطني «٢» . ثم نزلوا، وكان عبد الله بن عتيك سيىء البصر، فوقع، فوثئت رجله، فحمله أصحابه، حتى أتوا منهرا «٣» منه مناهرهم.

فدخلوا فيه واستتروا عن الأعين، وخرج أهل الآطام، وأوقدوا النيران في كل وجه وصوب، فلما يئسوا رجعوا، فقال المسلمون: كيف لنا، وأن نعلم أن عدو الله قد مات؟ فرجع أحدهم ودخل بين الناس ثم رجع إلى أصحابه، فذكر لهم أنه وقف مع الجماعة، وأنه سمع امرأته تقول: والله لقد سمعت صوت ابن عتيك، ثم أكذبت نفسي، وقلت أنّى ابن عتيك بهذه البلاد! ثم إنها نظرت في وجهه، فقالت:

قاض وإله يهود ...

قال: فسررت، وانصرف إلى أصحابه يزف إليهم بشرى هلاك عدو الله.

فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه وتداعوا في قتله، فقال صلى الله عليه وسلم: هاتوا سيوفكم فأروني إياها، فقال عن سيف عبد الله بن أنس:

هذا قتله، أرى فيه أثر الطعام.


(١) - القبطية: هي ثياب من كتان، وهي منسوبة إلى القبط.
(٢) - قطني قطني: حسبي وكفاني.
(٣) - المنهر: هو الشق في الحصن، وهو نافذ ينبجس منه الماء.

<<  <   >  >>