للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الإسلام، لأن الامتناع عن نصرة العشير في نزاعه مع الآخر يعد مساسا بشرف القبيلة، ولهذا اقتصر الاضطهاد على:

١- حالات لا تمس علاقات القبائل حين يكون المضطهدون في القبيلة نفسها، أو حين تكون الضحية لا تحميها أية قبيلة.

٢- أعمال غير مذكورة في شريعة الشرف التقليدية؛ كالإجراآت الاقتصادية والشتائم اللفظية التي لا تمس إلا الفرد وليس القبيلة.

وقد كان هذا الاضطهاد المحدود كافيا لتنشيط الإسلام الوليد ولكنه لم يستطع ردّ أيّ مؤمن عن دينه» «١» .

والحديث عن عنف الاضطهاد يطول، ولن يتّسع المجال سوى لطرح إشارات فحسب عن بعض ما كان يجري بين المسلمين وخصومهم يتبين من خلالها أن الاضطهاد لم يكن (خفيفا) كما ذهب (وات) .

كانت كل قبيلة تثب على من فيها من المسلمين، أحرارا وعبيدا، فتحبسهم وتعذبهم بالضرب والجوع والعطش، وبرمضاء مكة إذا اشتد الحر، فمنهم من يفتن من شدة البلاء الذي ينصب عليه، ومنهم من يصلب لهم ويعصمه الله منهم. وقد روى مجاهد أن المستضعفين من المسلمين ألبسوا دروع الحديد وصبروا في الشمس حتى بلغ الجهد منهم «٢» .

وكان بنو مخزوم يخرجون بعمار بن ياسر وبأبيه وأمه، إذا حميت الظهيرة، يعذبونهم في رمضاء مكة، فيمرّ بهم الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة!! وقتلت أمه وهي تأبى إلّا الإسلام، ويقال بأنها أغلظت لأبي جهل في القول فطعنها في بطنها.. وكان عمار يعذّب


(١) المصدر السابق نفسه، ص ١٩٢.
(٢) البلاذري: أنساب: ١/ ١٥٨.

<<  <   >  >>