للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حتى لا يدري ما يقول «١» . وجيء بخباب بن الأرتّ فجعلوا يلصقون ظهره بالأرض على الرضف حتى ذهب ماء متنه، ويقول خباب نفسه: لقد رأيتني يوما وقد أوقدوا لي نارا ثم سلقوني فيها، ثم وضع رجل رجله على صدري فما أتيت الأرض إلّا بظهري، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

«لا يتمنّينّ أحدكم الموت» لتمنّيته!! «٢» .

وقد بلغ من شدّة الاضطهاد أن بعض المسلمين قد تضعضعوا أمام المحنة ولم يطيقوا تحمل الأذى والاضطهاد، وأنهم أبدوا شكّهم في نصر الله الموعود للمسلمين، فنزلت الآيات ١١- ١٥ من سورة الحج تحمل على هذا النوع من الناس بأسلوب عام حملة لاذعة:

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) «٣» .

عن سعيد بن جبير، قال: قلت لعبد الله بن عباس: أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم؟

قال: نعم! والله إن كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه وما يقدر أن يستوي جالسا من شدة الضرب الذي نزل به «٤» .

ولعل (وات) كان يمهّد بوجهة نظره تلك (لنفي) آخر لواحدة من وقائع السيرة المكية المعروفة تماما: إن هجرة المسلمين إلى الحبشة كانت بسبب الاضطهاد.. لكي يطرح بدلا من ذلك شكّه في هذا السبب، ويقدّم بديلا عنه: محاولة الرسول صلى الله عليه وسلم تفادي انشقاق كاد يقسم المسلمين حزبين!!


(١) المصدر السابق نفسه: ١/ ١٥٨- ١٥٩.
(٢) المصدر السابق نفسه: ١/ ١٧٨.
(٣) دروزة: سيرة الرسول: ١/ ٢٨٣- ٢٨٤.
(٤) ابن هشام: تهذيب، ص ٧٢، البلاذري: أنساب: ١/ ١٩٧.

<<  <   >  >>