للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لترك حقه، أو قصد خفضه، ولم يعلم العادة الموافقة للسنة، فالأصلح أن يقام له، لأن ذلك أصلح لذات البين وإزالة التباغض والشحناء، وأما من عرف عادة القوم الموافقة للسنة، فليس في ترك ذلك إيذاء له، وليس هذا القيام المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار"، فإن ذلك أن يقوموا له وهو قاعد، ليس هو أن يقوموا لمجيئة إذا جاء، ولهذا فرقوا بين أن يقال:قمت إليه وقمت له، والقائم للقادم ساواه في القيام بخلاف القائم للقاعد"١٠

كما جمع بين الأحاديث ابن القيم جمعا حسنا، وذكر أن الأحاديث التي ورد فيها القيام كان لعارض، وأنه كان قياما إلى الرجل للقائه، لا قياما له، ثم قال:"فالمذموم: القيام للرجل، وأما القيام إليه للتلقي إذا قدم:فلا بأس به، وبهذا تجتمع الأحاديث"٢ قلت: هذا جمع جيد وحسن بين النصوص الثابتة، وعليه فينهى القيام للشخص للتعظيم مهما كانت منزلته سدَّا لذريعة الوقوع في الشرك، بعد الغلو فيه، أو مجاوزة الحد في حبه وتعظيمه وما إلى ذلك كما هو واقع من بعض أتباع الطرق لمشايخهم، وأما القيام لعارض كالقيام للقادم من سفر، أو لغائب على سبيل البر والإكرام فلا بأس به٠

وقد نقل أبو عبد الله بن الحاج٣ عن أبى الوليد بن رشد أن القيام يقع على أربعة أوجه:

الأول: محظور، وهو أن يقع لمن يريد أن يقام إليه تكبرا وتعاظما على القائمين إليه٠

الثاني: مكروه، وهو أن يقع لمن لا يتكبر ولا يتعاظم على القائمين، ولكن يخشى أن يدخل نفسه بسبب ذلك ما يحذر، ولما فيه من التشبه بالجبابرة٠


١ مجموع فتاوى ابن تيمية جـ١ /٣٧٤، ٣٧٥ ٠
٢ شرح ابن القيم لسنن أبى داود من كتاب عون المعبود جـ١٤ / ١٢٧ ٠
٣ أنظر المدحل لابن الحاج جزء ١ من ص ١٦٨، وفتح الباري لابن حجر جزء ١١ / ٥١، ٥٢

<<  <   >  >>