للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكما نهى صلى الله عليه وسلم عن الانحناء سدَّا للذريعة، كره أن يقوم الناس له، كما ذكر وعيداً شديدا لمن يحب أن يتمثل الناس له قياما٠

فعن أنس – رضي الله عنه- قال:"ما كان في الدنيا شخص أحب إليهم رؤية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا إليه، لما يعلمون من كراهيته لذلك"١٠

وعن أبى مجلز قال:"خرج معاوية فقام عبد الله بن الزبير وابن صفوان حين رأوه، فقال:اجلسا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سره أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار" ٠ قال الترمذي:" وفى الباب عن أبى أمامه، وهذا حديث حسن"٢٠

ولا يتعارض النهى عن القيام هنا مع قول النبي صلى الله عليه وسلم لماَّ قدم سعد بن معاذ إلى بنى قريظة ليحكم فيهم: " قوموا إلى سيدكم" ٣ للفرق بين الحالين، وقد وضح ذلك ابن يتمية –رحمه الله- وفصله تفصيلا دقيقا فقال:"لم تكن عادة السلف على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أن يعتادوا القيام كلما يرونه صلى الله عليه وسلم كما يفعله كثير من الناس، بل قد قال أنس بن مالك: لم يكن شخص أحب إليهم من النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له، لما يعلمون من كراهيته لذلك، ولكن ربما قاموا للقادم من مغيبه تلقيا له، كما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام لعكرمة وقال للأنصار لما قدم سعد بن معاذ:قوموا إلى سيدكم، وكان قد قدم ليحكم في بنى قريظة.....، وأما القيام لمن يقدم من سفر ونحو ذلك تلقيا له فحسن، وإذا كان من عادة الناس إكرام الجائي بالقيام ولو ترك لاعتقد أن ذلك


١ أخرجه البخاري في الأدب المفرد جـ٢/٤١٩، والترمذي في أبواب الاستئذان باب ٤٧ جـ٨/٢٩، وأحمد في مسنده جـ٣ /١٣٢ ٠
٢ سنن الترمذي أبواب الاستئذان باب ٤٧ جـ٨ / ٣٠، والبخاري في الأدب المفرد جـ٢ / ٤٦٦، وأبو داود في سننه أبواب السلام باب ٢٤ جـ١٤/١٤٢ وأحمد في مسنده جـ٤/٩٣،١٠٠ ٠
٣ أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان باب ٢٦ جـ١١/٢٩ ٠

<<  <   >  >>