أقول: أهل العلم يختلفون في الجرأة وضدها، يختلفون في الجرأة وضدها منهم من يصون الرواة عن الخطأ فإذا وقع بينهم اختلاف لا سيما إذا كان الاختلاف مؤثراً يقول بتعدد القصة، أو بتعدد النزول كما هنا، ومنهم من لديه الجرأة بحيث لا يتردد في تخطئة الرواة وتوهيمهم، فيحكم على الراوي بالوهم وإن أمكن حمل كلامه على وجه صحيح، وأقول: المطلوب لا هذا ولا ذاك، المطلوب التوسط، نعم إذا وجد تعارض لا يمكن الإجابة عنه فلا بد ولا محيد من الحكم على الراوي المرجوح بأن ما يقوله شاذ، وما ينقله الراجح هو المحفوظ، لا بد من هذا، لكن لا نهجم على كل شيء، ولا تزيد عندنا الجرأة بحيث نهجم على الأحاديث الصحيحة، وكم من حديث في الصحيح هجم عليه بعضهم وحكموا بوهم راويه مع إمكان التوجيه، وأنا عندي من أبعد أو من أقوى ما قيل في أحاديث الصحيح حديث:((حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)) وهذا أطبقوا على أنه مقلوب، والقلب ضعف، نعم، وأقول: يمكن توجيهه، أقول: صيانة للصحيح يمكن توجيهه؛ لأنه ثبت في الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ما يسرني أن يكون لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة وعندي منه دينار، إلا أن أقول به هكذا وهكذا وهكذا)) عن يمينه وشماله، ومن أمامه ومن خلفه، فالإنسان قد يضطر إلى أن ينفق باليمين وهذا هو الأصل، وقد يضطر لكثرة السائلين أو طلباً للإخلاص نعم، لوجود من هو جالس على يمنيه أن ينفق بالشمال لإخفائه، ولا يمنع من ذلك مانع، فيكون هذا محفوظ وذاك محفوظ، وأنا أقول: مثل هذه الأمور تسلك صيانة للصحيح؛ لئلا يتطاول السفهاء على الصحيحين، وقد وجد من يجرؤ على الصحيحين، وإذا تطاولوا على الصحيحين ماذا يبقى لنا؟ ما عداهما الأمر فيه أخف؛ لأن الأمة تلقتهما بالقبول، وعلى كل حال المطلوب التوسط، لا نجبن بحيث نقول: إن القصة تعددت، أو النزول تعدد لمجرد وجود أدنى اختلاف، نجزم بأنه من بعض الرواة لا من أصل القصة، ولا نهجم على النصوص الصحيحة لأدنى اختلاف أيضاً فنحكم بتوهيم الرواة الثقات، نعم.