محافظة منه - صلى الله عليه وسلم - على الأسماء التي سمى الله بها العبادات، فلا تُهجر، ويُؤْثرُ عليها غيرها، كما فعله المتأخرون في هجران ألفاظ النصوص، وإيثار المصطلحات الحادثة عليها، ونشأ بسبب هذا من الجهل والفساد ما الله به عليم، وهذا كما كان يُحافظ على تقديم ما قدمه الله وتأخير ما أخره، كما بدأ بالصفا، وقال:((أبدأ بما بدأ الله به)) . وبدأ في العيد بالصلاة، ثم جعل النحر بعدها، وأخبر أن:((من ذبح قبلها فلا نسك له)) ؛ تقديماً لما بدأ الله به في قوله:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} . وبدأ في أعضاء الوضوء بالوجه، ثم اليدين، ثم الرأس، ثم الرجلين؛ تقديماً لِما قدّمه الله، وتأخيراً لما أخره، وتوسيطاً لما وسطه. وقدم زكاة الفطر على صلاة العيد؛ تقديماً لما قدمه في قوله:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}[الأعلى:١٤-١٥] ونظائره كثيرة.
فصل في هديه - صلى الله عليه وسلم - في حفظ المنطق واختيار الألفاظ
كان يتخير في خطابه، ويختار لأُمته أحسن الألفاظ، وأجملها، وألطفها، وأبعدها من ألفاظ أهل الجفاء والغلظة، والفُحش، فلم يكن فاحشاً، ولا متفحشاً، ولا صخاباً، ولا فظاً.
وكان يكره أن يستعمل اللفظ الشريف المصون في حق من ليس كذلك، وأن يُستعمل اللفظ المهين المكروه في حق من ليس من أهله.
فمن الأول منعُه أن يُقال للمنافق:((يا سيدنا)) وقال: ((فإنَّه إن يك سيداً فقد أسخطتهم ربكم عز وجل)) . ومنعُه أن تسمى شجرة العنب كرْماًَ ومنعُه تسمية أبي جهل بأبي الحكم، وكذلك تغيير لاسم أبي الحكم من الصحابة: بأبي شريح، وقال:((إن الله هو الحكمُ، وإليه الحُكْمُ)) .
ومن ذلك نهيه للمملوك أن يقول لسيده أو لسيدته: ربي وربتي، وللسيد أن يقول لمملوكه: عبدي، ولكن يقول