للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استخراج معنى مما يقارن هذا الشهر من الأحوال في الغالب عندهم وهو ما يكثر فيه من الرزايا بالقتال والقتل، ذلك أن شهر صفر يقع بعد ثلاثة أشهر حرم نسقاً وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وكان العرب يتجنبون القتال والقتل في الأشهر الحرم؛ لأنها أشهر أمن، قال الله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ} الآية. فكانوا يقضون الأشهر الحرم على إحنٍ من تطلُّب الثارات والغزوات، وتشتت حاجتهم في تلك الأشهر، فإذا جاء صفر بادر كل من في نفسه حنق على عدوه فثاوره، فيكثر القتل والقتال، ولذلك قيل: إنه سمي صفراً؛ لأنهم كانوا يغزون فيه القبائل فيتركون من لقوه صفراً من المتاع والمال، أي خلواً منهما. قال الذبياني يحذر قومه من التعرض لبلاد النعمان بن الحارث ملك الشام في شهر صفر:

لقد نهيت بني ذبيان عن أُقُر وعن تربعهم في كل أصفار

ولذلك كان من يريد العمرة منهم لا يعتمر في صفر إذ لا يأمن على نفسه، فكان من قواعدهم في العمرة أن يقولوا: ((إذا برأ الدبر وعفا الأثر وانسلخ صفر؛ حلّت العمرة لمن اعتمر)) على أحد تفسيرين في المراد من صفر وهو التأويل الظاهر. وقيل: أرادوا به شهر المحرم، وأنه كان في الجاهلية يسمى صفر الأول، وأن تسميته محرماً من اصطلاح الإسلام، وقد ذهب إلى هذا بعض أئمة اللغة، وأحسب أنه اشتباه، لأن تغيير الأسماء في الأمور العامة يدخل على الناس تلبيساً لا يقصده الشارع، ألا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خطب حجة الوداع فقال: ((أي شهر هذا؟)) . قال الراوي: فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: ((أليس ذا الحجة؟)) ثم ذكر في أثناء الخطبة الأشهر الحرم، فقال: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جماد وشعبان. فلو كان اسم المحرم

<<  <   >  >>