تخييم الجهل بالدين بينهم، ومنها التشاؤم بشهر صفر، حتى صار كثير من الناس يتجنب السفر في شهر صفر اقتباساً من حذر الجاهلية السفر فيه خوفاً من تعرض الأعداء، ويتجنبون فيه ابتداء الأعمال خشية أن لا تكون مباركة، وقد شاع بين المسلمين أن يصفوا شهر صفر بقولهم: صفر الخير. فلا أدري: هل أرادوا به الرد على من يتشاءم به، أو أرادوا التفاؤل لتلطيف شره كما يقال للملدوغ: السليم؟ وأيّاً ما كان فذلك الوصف مؤذن بتأصّل عقيدة التشاؤم بهذا الشهر عندهم.
ولأهل تونس حظ عظيم من اعتقاد التشاؤم بصفر، لاسيما النساء وضعاف النفوس، فالنساء يسمينه (ربيب العاشوراء) ليجعلوا له حظاً من الحزن فيه وتجنب الأعراس والتنقلات.
ومن الناس من يزيد ضِغْثاً على إبالة فيضم إلي عقيدة الجاهلية عقيدة أجهل منها، وهي اعتقاد أن يوم الأربعاء الأخير من صفر هو أنحس أيام العام، ومن العجب أنهم ينسبون ذلك إلى الدين الذي أوصاهم بإبطال عقائد الجاهلية، فتكون هذه النسبة ضلالة مضاعفة، يستندون إلى حديث موضوع يروى عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:((آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر)) وقد نص الأئمة على أن هذا حديث موضوع، فإذا ضم ذلك إلى التشاؤم بشهر صفر من بين الأشهر؛ أنتجت هذه المقدمات الباطلة نتيجة مثلها، وهي أن آخر أربعاء من شهر صفر أشأم أيام العام. وأهل تونس يسمونها ((الأربعاء الكحلاء)) أي السوداء، كناية عن نحسها؛ لأن السواد شعار الحزن والمصائب، عكس البياض. قال أبو الطيب في الشيب:
أبعد بعدت بياضاً لا بياض له لأنت أسود في عيني من الظلم
وهو اعتقاد باطل إذْ ليس في الأيام نحس، قال مالك رحمه الله: ((الأيام كلها أيام الله، وإنما يفضل بعض الأيام بعضاً بما جعل الله له من الفضل فيما