في شيءٍ من أمر الجاهلية، احتاطوا في أُمورهم، فمنعوهم من الكلام الذي فيه أدنى متعلّق.
ورووا أنّ ابن عبَّاس قال: لا تقولوا والذي خاتمه على فمي، فإنَّما يختم الله عز وجل على فم الكافر. وكره قولهم: قوس قُزح. وقال: قزح شيطان، وإنَّما ذهبوا إلى التعريج والتلوين، كأنّه كره ما كانوا عليه من عادات الجاهليَّة. وكان أحبَّ أن يقال: قوس الله، فيرفع من قدره، كما يقال: بيت الله، وزُوَّار الله، وأرض الله، وسماء الله، وأسد الله.
وقالت عائشة - رضي الله عنها -:
((قولوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خاتم النبيين، ولا تقولوا: لا نبيَّ بعده)) . فإلا تكنْ ذهبت إلى نزول المسيح فما أعرف له وجهاً إلا أن تكُون قالت لا تغيِّروا ما سمعتم، وقولوا كما قيل لكم، والفظِوا بمثله سواء.
وكره ابن عمر - رضي الله عنهما - قول القائل: أسلمت في كذا وكذا، وقال: ليس الإسلام إلا الله عز وجل. وهذا الكلام مجازهُ عند الناس سهل، وقد كرهه ابنُ عمر، وهو أعلم بذلك.
وكره ابنُ عباس - رضي الله عنهما - قول القائل: أنا كسلان.
وقال عمر: لا تسمُّوا الطريق: السِّكَّة.
وكره أبو العالية قول القائل: كنت في جنازة، وقال: قل تبعت جنازة. كأنّهُ ذهب إلى أنه عنى أنّه كان في جوفها، وقال: قل: تبعت جنازة. والناس لا يريدون هذا، ومجاز هذا الكلام قائم، وقد كرهه أبو العالية، وهو عندي شيبةٌ بقول من كره أن يقول: أعطاني فلان نصف درهم. وقال: إذا قلت: كيف تكيل الدقيق؟ فليس جوابه أن تقول: القفيز بدُنينير، ولكن يتناول القفيز ثم يكيل به الدقيق، ويقول: هكذا الكلية. وهذا من القول المسخوط!
وكره ابن عباس قول القائل: الناس قد انصرفوا، يريد: من الصلاة، قال: بل قولوا: قد قضوْا الصلاة، وقد فرغوا من الصلاة، وقد صلَّوا؛ لقوله:{ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} . قال: وكلام الناس: كان ذلك حين انصرفنا من الجنازة، وقد انصرفوا من السُّوق، وانصرف الخليفة، وصرف الخليفة الناس من الدار اليوم بخير، وكنت في