أَيَا سَاكِنِي أَرْضَ الْحِمَى هَلْ مُرَاجِعِي ... رقادٌ غَدَا بَعْدَ الْفِرَاقِ مُطَلَّقَا
لأُبْصِرَ طَيْفًا مِنْكُمُ فَيُرِيحُنِي ... فَمَا غَرَضِي فِي النَّوْمِ شَيْئًا سِوَى اللَّقَا
رَحَلْتُمْ فَلِي جسمٌ يَذُوبُ صَبَابَةً ... وَبِنْتُمْ فَلِي قلبٌ يَطِيرُ تَشَوُّقَا
وَعَلَّمتُمُ الْهُجْرَانَ جَفْنِيَ وَالْكَرَى ... وَوَاصَلْتُمْ مَا بَيْنَ قَلْبِيَ وَالشَّقَا
وَهَيَّجَ وَجْدِي فِي الظَّلامِ حمامةٌ ... تَنُوحُ عَلَى إلفٍ وَتَشْكُو التَّفَرُّقَا
تَغَنَّتْ بلحنٍ رَجَّعَتْهُ كَآبَةً ... فَرَاجَعَنِي شَجْوِي وَرَقَّ فَأَرَّقَا
فَوَاعَجَبًا يُخْفِي سُرُورًا أَذَاعَهُ ... شَوَاهِدُ قَدْ نَمَّتْ وَتُبْدِي تَمَلُّقَا
وَكَيْفَ يُذِيبُ الْهَجْرُ كَفًّا مُخَضَّبًا ... وَأَنَّى يُطِيقُ الْبَيْنُ جِيدًا مُطَوَّقَا
وَمَا الْحُبُّ إِلا أَنْ تَرَى الْجِسْمَ نَاحِلا ... وَلا الْوَجْدُ إِلا أَنْ تَرَى الدَّمْعَ مُغْدِقَا
وَلَو وَجَدَتْ وَجْدِي مُطَوَّقَةُ الْحِمَى ... وَلاقَتْ كَمَا لاقَيْتُ مِنْ جِيرَةِ النَّقَا
لأَصْبَحَ مِنْهَا الطَّرْفُ حَيْرَانَ بَاهِتًا ... وَأَصْبَحَ مِنْهَا الْقَلْبُ حَرَّانَ مُحْرَقَا
وَأَنْشَدَنِي حَمْدٌ لنفسه ببغداذ:
يَا سَاكِنَ الْقَلْبِ ها قَلْبِي تُمَزِّقُهُ ... يَدُ الصَّبَابَةِ وَالأَحْزَانُ وَالْفِكَرُ
كَمْ وقفةٍ لِي عَلَى أَطْلالِ رَبْعِكُمُ ... يَظَلُّ فِيهَا سَمِيرِي الضَّالُ وَالسَّمُرُ
رِفْقًا بِمَنْ وَلَعَتْ أَيْدِي الْغَرَامِ بِهِ ... وَاغْتَالَ مُهْجَتَهُ فِي حُبِّكَ الْقَدَرُ
يَفْدِيكَ مِنْهَا فؤادٌ ظَلَّ مُلْتَهِبًا ... وَمُقْلَةٌ مَلَّ مِنْهَا الدَّمْعُ وَالسَّهَرُ
لَوْلا مَخَافَتُهُ أَنْ لا يَرَاكَ بِهَا ... لَغَابَ مُذْ غِبْتَ عَنْ إِنْسَانِهَا النَّظَرُ
وَأَنْشَدَنِي لنفسه متغزلاً ببغداد:
مَوْلايَ إِنَّ فُؤَادِي فِيهِ جَمْرُ غَضًى ... وَنَاظِرُ الْعَيْنِ موقوفٌ عَلَى السَّهَرِ