فَقَالَ الْحَجَّاجُ: اكْفُفْ يَا غُلامُ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: [أ] سَلَّمَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمْ تَرُدُّوا عَلِيهِ شَيْئًا؟! هَذَا أَدَبُ ابْنِ نُهْيَةٍ؛ أَمَا وَاللَّهِ لأُؤَدِّبَنَّكُمْ غَيْرَ هَذَا الأَدَبِ، أَوْ لَتَسْتَقِيمُنَّ. اقْرَأْ يَا غُلامُ كِتَابَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَرَأَ، فَلَمَّا بَلَغَ إِلَى قَوْلِهِ: ((سلامٌ عَلِيكُمْ)) لَمْ يَبْقَ فِي الْمَسْجِدِ أحدٌ إِلا قَالَ: وَعَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ السَّلامُ.
ثُمَّ نَزَلَ فَوَضَعَ لِلنَّاسِ أُعْطِيَاتِهِمْ، فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ، حَتَّى أَتَاهُ شيخٌ يُرْعِدُ كِبَرًا، فَقَالَ: أَيُّهَا الأَمِيرُ، إِنِّي مِنَ الضَّعْفِ عَلَى مَا تَرَى، وَلِي ابنٌ هُوَ أَقْوَى عَلَى الأَسْفَارِ مِنِّي، أَفَتَقْبَلُهُ مِنِّي بَدِيلا؟ فَقَالَ لَهُ الْحجَّاجُ: نَفْعَلُ أَيُّهَا الشَّيْخُ.
فَلَمَّا وَلَّى قَالَ لَهُ قَائِلٌ: أَتَدْرِي مَنْ هَذَا أَيُّهَا الأَمِيرُ؟ قَالَ: لا. قَالَ: هَذَا عُمَيْرُ بْنُ ضَابِئٍ الْبُرْجُمِيُّ، الَّذِي يَقُولُ أبوه:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني ... تَرَكْتُ عَلَى عُثْمَانَ تَبْكِي حَلائِلُهْ
وَدَخَلَ هَذَا الشَّيْخُ عَلَى عُثْمَانَ مَقْتُولا، فَوَطِئَ عَلَى بَطْنِهِ، فَكَسَرَ ضِلْعَيْنِ مِنْ أَضْلاعِهِ. فَقَالَ: رُدُّوهُ! فَلَمَّا رُدَّ قَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ: أَيُّها الشَّيْخُ؛ هَلا بَعَثْتَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بَدِيلا يَوْمَ الدَّارِ! إِنَّ قَتْلَكَ أَيُّهَا الشَّيْخُ صلاحٌ لِلْمُسْلِمِينَ. يَا حَرَسِيُّ اضْرَبَنْ عُنُقَهُ. فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَضِيقُ عَلِيهِ بَعْضُ أَمْرهِ فَيَرْتَحِلُ، وَيأْمُرُ وَلِيهُ أَنْ يَلْحَقَهُ بِزَادِهِ، فَفِي ذَلِكَ يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الأسدي:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute