رحلته أصاب جماعة من أهلها بارزين لتلقي الرفقة على عادتهم. فكلما أطل عليهم رجل له هيئة ومنظر، رجحوا الظن به، وقضوا بفراستهم عليه، حتى رأوه، وكان ذا منظر جميل، فقال قوم: هذا فقيه. وقال آخرون: بل شاعر.
وقال آخرون. طبيب. فلما كثر اختلافهم تقدموا نحوه، وأخبروه باختلافهم فيه، وسألوه عما هو؟ فقال لهم كلكم قد أصاب، وجميع ما قدرتم أحسنه والخبرة تكشف الحيرة والامتحان يجلى عن الإنسان، فلما حط رحله ولقي الناس شاع خبره، فقصد إليه كل ذي علم يسأله عن فنه، وهو يجيبه جواب متحقق، فعجبوا من ثقوب علمه، وأخذوا عنه، وعطلوا [حلق (١)] علمائهم، وأثنى عليه ابن المواز بالعلم والفقه.
وقال العتبي: وذكر «الواضحة» رحم الله عبد الملك، ما أعلم أحدا ألف على مذهب أهل المدينة تأليفه ولا لطالب أنفع من كتبه ولا أحسن من اختياره.
وألف كتبا كثيرة حسانا في الفقه، والتواريخ، والآداب، منها الكتب المسماة «بالواضحة» في السنن والفقه لم ير مثلها، وكتاب «إعراب القرآن» وكتاب «الحسبة في الأمراض» و «كتاب الفرائض» و «كتاب السخاء واصطناع المعروف» و «كتاب كراهية الغناء» و «كتاب النسب» و «كتاب النجوم» و «كتاب الجامع» وهو كتاب فيه مناسك النبي صلى الله عليه وسلم و «كتاب الرغائب» و «كتاب الورع في المال وغيره» ستة أجزاء، وكتاب «العمل بالجوارح»، وكتاب «فضائل الصحابة» وكتاب «غريب الحديث» وكتاب «تفسير الموطأ» وكتاب «حروب الإسلام» وكتاب «المسجدين» وكتاب «سيرة الإمام في الملحدين» وكتاب «طبقات الفقهاء والتابعين» وكتاب «مصابيح الهدى».
(١) عن: ترتيب المدارك للقاضي عياض، والديباج المذهب لابن فرحون.