للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبعد عوده من الأندلس أجلسه أهل سبته للمناظرة عليه في «المدوّنة» وهو ابن ثلاثين سنة أو ينيف عنها، ثم أجلس للشورى، ثم ولى قضاء بلده مدة طويلة، حمدت سيرته فيها، ثم نقل إلى قضاء غرناطة في سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، ولم يطل أمده بها، ثم قضاء سبتة ثانيا.

قال صاحب «الصلة» وقدم علينا قرطبة فأخذنا عنه بعض ما عنده.

قال ابن الخطيب: وبنى الزيادة الغربية الجامع الأعظم، وبنى في جبل المينا الراتبة الشهيرة، وعظم صيته.

ولما ظهر أمر الموحّدين بادر إلى المسابقة بالدخول في طاعتهم، ورحل إلى لقاء أميرهم بمدينة سلا، فأجزل صلته، وأوجب بره، إلى أن اضطربت أمور الموحدين عام ثلاث وأربعين وخمسمائة، فتلاشت حاله ولحق بمراكش مشردا به عن وطنه فكانت بها وفاته وله التصانيف المفيدة البديعة منها «إكمال المعلم في شرح مسلم» ومنها «الشفا بتعريف حقوق المصطفى» صلى الله عليه وسلم أبدع فيه كل الإبداع وسلم له أكفاؤه كفايته فيه ولم ينازعه أحد الانفراد به ولا أنكروا مزيّة السبق إليه بل تشوقوا للوقوف عليه وأنصفوا في الاستفادة منه وحمله الناس عنه وطارت نسخه شرقا وغربا، وكتاب «مشارق الأنوار» في تفسير غريب حديث الموطأ، والبخارى، ومسلم، وضبط الألفاظ، والتنبيه على مواضح الأوهام والتصحيفات، وضبط أسماء الرجال، وهو كتاب لو كتب بالذهب، أو وزن بالجواهر لكان قليلا في حقه، وفيه أنشد بعضهم:

مشارق أنوار تبدّت بسبتة ... ومن عجب كون المشارق بالغرب

وكتاب «التنبيهات المستنبطة على الكتب المدونة» جمع فيه غرائب من ضبط الألفاظ وتحرير المسائل، وكتاب «ترتيب المدارك وتقريب المسالك»