للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان جيد القريحة، حادّ الذهن، متضلّعا من علوم كثيرة: إماما في النحو، واللغة، والتصريف، والعروض، ومعاني الأشعار، والتفسير، والإعراب، وتعليل القراءات، عارفا بالفقه، والطبّ، والنجوم، وعلوم الأوائل.

وكان يتكلم بعدة ألسن بأفصح عبارة، واستوطن بغداد، وله النظم والنثر الحسن، حسن التعليم، طويل الروح، كثير الاحتمال للتلامذة، واسع الصدر، لم يغضب قط من شيء، وشاع ذلك حتى بلغ [بعض] الخلفاء فجهد على أن يغضبوه فلم يقدروا.

وكان حنبليا. ثم تحول حنفيا [ثم] لما درس النحو بالنظامية صار شافعيا، لأنه شرط الواقف. فقال فيه تلميذه أبو البركات محمد بن أبي الفرج التّكريتيّ:

ألا مبلغ عني الوجيه رسالة ... وإن كان لا تجدي إليه الرسائل (١)

تمذهبت للنعمان بعد ابن حنبل ... وذلك لما أعوزتك المآكل

وما اخترت رأي الشافعيّ ديانة ... ولكن لأن تهوى الذي منه حاصل

وعما قليل أنت لا شك صائر ... إلى مالك فافطن لما أنت قائل

قال شيخنا الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى بعد إيراده لهذه الأبيات من «طبقات النحاة» قلت: هكذا تكون التلامذة، يتخرجون بأشياخهم ثم يهجونهم! لا قوة إلا بالله.

ولد ابن الدهان سنة اثنتين- وقيل أربع وثلاثين وخمسمائة- ومات في شعبان سنة ثنتي عشرة وستمائة.


(١) الأبيات في: انباه الرواة للقفطي ٣/ ٢٥٥، ومعجم الأدباء لياقوت ٦/ ٢٣٦، ووفيات الأعيان لابن خلكان ٣/ ٢٩٩.