واحذر قوانين أرباب الكلام فما ... بها من العلم غير الشك والتهمِ
يعني علم الكلام لا شك أنه يورث الشك؛ لأنه عبارة عن قوانين وقواعد على حد زعم واضعها أنها تعصم رأيه من الخطأ، ولو لم يعتمد على كتاب ولا سنة، فهم يريدون أن يكيفوا العقل البشري على قواعدهم، وكثير من الأمور المتعلقة بالعقل البشري تخفى على جميع الناس، يعني لا يعلمها إلا الله -جل وعلا-، فهم يريدون أن يتكلموا في أمور لا يدركون حقيقتها ولا كنهها، ويسترسلون مع عقولهم المجردة، يضعون قواعد ويرتبون عليها نتائج، هذه القواعد إذا لم تعتمد أو هذه المقدمات إذا لم تعتمد على كلام الله -جل وعلا- فإن النتائج لن تكون سليمة، علم الكلام علم غث كما قيل لا يستفيد منه الغبي ولا يحتاج إليه الذكي، لكن المتمكن في علوم الكتاب والسنة إذا أراد أن يتعلم من علم الكلام ما يفهم به أقوال المخالفين، ويستطيع الرد عليهم من قواعدهم، وينقض قواعدهم بقواعدهم إذا كان متمكناً من نصوص الكتاب والسنة، مستحضراً للعلوم الشرعية، آمناً على نفسه من الزلل والخطل، فإنه حينئذٍ يسوغ له ذلك، ولذا شيخ الإسلام لما رد على الجهمية في نقض التأسيس مدحه ابن القيم بقوله:
وكذلك التأسيس أصبح نقضه ... أعجوبة للعالم الربان
ومن العجيب أنه بسلاحهم ... أرادهم نحو الحضيض الداني
بسلاحهم، فالذي لا يعرف سلاحهم ما يستطيع الرد عليهم، ما يعرف كلامهم فضلاً عن أن يرد عليهم، لكن المسلم الذي يريد نجاة نفسه يكفيه أن يقتصر على نصوص الوحيين، وما يعين على نصوص الوحيين، ويبقى أن الرد على المخالفين فرض كفاية، يتولاه من تأهل لذلك، بمعنى أنه لا يلزم كل الناس أن يدرسوا المنطق وعلم الكلام، يعني كما قرر في بعض الكليات الشرعية على عموم الناس هذا ما هو بصحيح، قد يخصص يعني المرحلة الجامعية فيها الطالب الضعيف والجيد والغبي والذكي، والذي يخشى عليه من الانحراف، لكن مرحلة الدراسات مثلاً العالية هذه إذا انتقي لها من ينتقى ممن يتصف بالذكاء ممن يتصف بالدين، وعنده ما يكون سبباً لوقايته وحمايته، هذا لا مانع أن يدرسوا ليطلعوا على مخالفات القوم، ويردوا عليهم بأقوالهم.