للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لكن الفطرة وحدها لا تهتدي فقد تضل، والذي يقوم الطريق ويمنع الفطرة من الخطأ هو الوحي، ولذلك لم يؤاخذنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولم يحاسبنا بمقتضى العهد الذي أخذه علينا في عالم الذر، ولم يحاسبنا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أو يؤاخذنا بمقتضى الفطرة التي فطرها في أنفسنا، وإنما بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب، لئلا يكون للناس عَلَى الله حجة بعد الرسل، -أي: أن الحجة والبلاغ إنما هي بدعوى الأنبياء- فهذا من حكمة الله، ومن فضله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى علينا؛ أنه لا يعذب أحداً وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الاسراء:١٥] مع قيام الحجج في الفطرة، وقيام الحجج في العقل، ومع الميثاق الذي أخذه الله في عالم الذر، والبراهين التي جعلها في الكون والنفس والآفاق، مع ذلك كله فإن العذاب ودخول النَّار لا يكون إلا عَلَى ما يبلغ الإِنسَان من العلم النبوي،.

فهذا ملخص لهذه للأوجه التي ذكر المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ هنا، وهو أن الفطرة تتجه إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن الإِنسَان لديه قابلية الاتباع، كما أن لدى كل إنسان قابلية التعلم والعبادة لله، والاهتداء بهديه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فما لم يحل حائل، أو يأتي حجاب من الحجب يحجب الإِنسَان عن التوحيد، فإن بني آدم جميعاً يتجهون إِلَى التوحيد.

وكل مسلم عَلَى ظهر الأرض فليس مقلداً؛ لأنه مؤمن بالله بمقتضى الميثاق في عالم الذر، وبمقتضى الفطرة التي خلقه الله تَعَالَى عليها، وبمقتضى الإيمان بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الإيمان البدهي الذي هو أقوى من البراهين النظرية العقلية، ومع ذلك فلكل مؤمن براهينه وحجته التي أعطاه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إياها عَلَى قدر علمه وعلى قدر ما بلغه.

دليل على وجود الله والكلام عليه

قَالَ المُصْنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ:

<<  <   >  >>