[وقد ذكر الشيخ رَحِمَهُ اللهُ من الأدلة قوله تَعَالَى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:٢٢، ٢٣] وهي من أظهر الأدلة، وأما من أبى إلا تحريفها بما يُسميه تأويلاً: فتأويل نصوص المعاد والجنة والنَّار والحساب أسهل من تأويلها عَلَى أرباب التأويل. ولا يشاء مبطل أن يتأول النصوص ويحرِّفها عن مواضعها إلا وجد إِلَى ذلك من السبيل ما وجده متأول هذه النصوص.
وهذا الذي أفسد الدنيا والدين، وهكذا فعلت اليهود والنَّصارَى في نصوص التوراة والإنجيل، وحذرنا الله أن نفعل مثلهم، وأبى المبطلون إلا سلوك سبيلهم، وكم جنى التأويل الفاسد عَلَى الدين وأهله من جناية، فهل قتل عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إلا بالتأويل الفاسد؟ ! وكذا ما جرى في يوم الجمل وصِفِّين، ومقتل الحسين رضي الله عنه، والحرة، وهل خرجت الخوارج واعتزلت المعتزلة، ورفضت الروافض، وافترقت الأمة عَلَى ثلاث وسبعين فرقة، إلا بالتأويل الفاسد؟!
وإضافة النظر إِلَى الوجه الذي هو محله في هذه الآية، وتعديته بأداة (إلى) الصريحة في نظر العين، وإخلاء الكلام من قرينة تدل عَلَى خلاف حقيقته وموضوعه، صريحٌ في أن الله أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إِلَى الرب جل جلاله، فإن النظر له عدة استعمالات، بحسب صلاته وتعديه بنفسه. فإن عدي بنفسه فمعناه: التوقف والانتظار، كقوله: انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [الحديد:١٣] وإن عدي بـ (في) فمعناه: التفكر والاعتبار، كقوله: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الأعراف:١٨٥] وإن عدي بـ (إلى) فمعناه: المعاينة بالأَبصار، كقوله تعالى: انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَر [الأنعام:٩٩] فكيف إذا أضيف إِلَى الوجه الذي هو محل البصر؟!